كيف تتصرف إذا كان عند طفلك إسهال؟

كيف تتصرف إذا كان عند طفلك إسهال؟

الإسهال من الأمراض التي كثيرا ما يصاب بها الرضيع والطفل. وخطورته تكمن في أنه قد يؤدي إلى تجفاف الجسم من الماء إذا لم يعالج في الإبان. ولا يمكن الحديث عن إسهال إلا إذا كان البراز سائلا، وتضاعفت عدد مراته عن المعدل العادي ثلاثة مرات في اليوم على الأقل، وتغير لونه، ورائحته. وتزداد خطورته إذا كان مصحوبا بقيء، وطالت مدته أكثر من 6 ساعات متواصلة.
والإسهال عموما ثلاثة أنواع:
– إسهال من النوع البسيط، لا يزيد تبرز الطفل فيه عن 6 مرات في اليوم، ويكون الطفل فيها طبيعيا لا أثر للمرض عليه، وهذا يكفيه نظام غذائي سليم لمقاومته
– إسهال من النوع المتوسط، تزيد عدد المرات فيه على 6 وقد تصل إلى 20 مرة، ويكون فيه الطفل عادة منهكا قلقا وقد يصاب فيه بالتجفاف، مما يوجب التدخل الناجع والفعال والسريع
– إسهال من النوع الشديد، يكون براز الطفل فيها محتويا على مخاط وصديد أو دم، وهو ما يدل على التهاب في الأمعاء، أو ما نسميه النزلة المعوية gastro-entérite aigue ، وعادة ما يكون مصحوبا بعلامات مرضية أخرى كالحمى والقيء والآلام… وهذا يتطلب عادة تدخل الطبيب
و العلامات الدالة على التجفاف déshydratation عند الطفل هي:
– جفاف الفم والشفتين
– بول غامق، شديد التخثر
– غياب التبول منذ ما يزيد عن 6 ساعات
– عينان غائرتان ومكحولتان (“محوقتان”) yeux cérnés
– يافوخ منخفض fontanelle déprimée
– سبات، خمول أو فتور
فكلما وجدنا علامة أو أكثر من هذه العلامات كلما وجب التدخل بسرعة كما سنبين ذلك في الحال.

الإسهال عند الرضيع:
ما دام الرضيع لا يتناول أطعمة صلبة في غذائه، فإنه يتبرز عدة مرات في اليوم، قد تصل إلى 4 مرات أو أكثر، وعادة ما يكون البراز طريا، ولا يعتبر ذلك إسهالا. فإذا تغيرت سيولة البراز ولونه ورائحته وعدد مراته، تحدثنا عن إصابة بالإسهال. وهو يختلف عند الرضيع حسب العمر وطبيعة الطعام الذي يتناوله:
* في حالة الرضاعة الطبيعية:
يندر أن يصاب الرضيع الذي يرضع رضاعة طبيعية بالإسهال، فإن حصل ذلك فهو يعود عادة إلى نقص في نظافة حلمة الثدي، أو إلى الزيادة في عدد الرضعات، أو تناول الأم لبعض الأدوية كالمضادات الحيوية أو الملينات التي تمر في الحليب وتسبب الإسهال. وكثيرا ما نلاحظ أن بعض الأمهات يطعمن الرضع الكمون أو الجلجلان أو بعض الفواكه الجافة كالجوز والبوفريوة، أو العسل والسمن… وذلك منذ الأيام الأولى بحجة تسمينهم وتغذيتهم، وقد يسبب كل هذا في الإسهال، تماما مثل إدخال أطعمة أخرى كالفارينة والخضر وربما حتى اللحوم مبكرا جدا.
وما يجب القيام به في هذه الحالة يقتضي:
– الإسنمرار في إرضاع الطفل الرضيع وعدم التوقف إطلاقا لأن حليب الأم نظيف معقم غير ضار؛ إلا أننا ننصح الأم بإحكام تنظيف ثديها بالماء الفاتر قبل الرضاعة وبعدها، وإذا كانت تتناول بعض الأدوية أن تراجع طبيبها حتى يجد لها الحل المناسب
– تعويض رضعتين بشىء من الماء المحلى بالسكر
– عرض الطفل على الطبيب إذا استمر الإسهال أكثر من 6 ساعات دون توقف أو ظهرت عليه علامات تجفاف (انظر أعلاه)
* في حالة الرضاعة الصناعية:
إذا كان الرضيع يتناول الحليب الإصطناعي، فإن احتمال إصابته بالإسهال تكبر، خاصة في فصل الصيف وفي الجو الحار عموما، حيث يكون تلوث الحليب الخارجي الذي يقدم للرضيع سهلا. وقد لاحظنا أن الإهمال في تحضير الرضعة، وتلوث أيدي من يحضرها، أوتلوث الحلمات الإصطناعية أو الزجاجة وخاصة البلاستيكية منها هو من الأسباب الرئيسية للإسهال عنده. وبدرجة أقل، يتكون الإسهال بسبب عدم ملاءمة الحليب كأن يكون حليبا كامل الدسم لا يتحمله جهازه الهضمي أو بسبب حساسية الرضيع لذلك النوع من الحليب. وعادة ما يكون هذا الإسهال مصحوبا بالقيء وارتفاع درجة الحرارة، لأنه يكون نتيجة تكاثر الجراثيم في الحليب الملوث.
ولا بد من الإشارة إلى أن الإسهال يمكن أن يكون عند الرضيع عَرَضا لأمراض أخرى تصيبه وخاصة الزكام والتهاب الحلق والتهاب الأذن الوسطى… ولكن الإسهال يكون عادة مصحوبا بعلامات أخرى تدل على أصل المرض الذي بمجرد علاجه يتوقف الإسهال.
وما يجب القيام به في هذه الحالة:
في مرحلة أولى: إيقاف الرضاعة الصناعية لمدة 24 ساعة كاملة، وذلك مهما كان نوع الحليب الذي يتناوله الطفل الرضيع، وتعويض الحليب بالماء المحلى بالسكر بنفس الكمية التي كان يشربها الطفل من الحليب
أمّا إذا ظهرت عليه علامة تجفاف واحدة، وجب سقيه ماء لمقاومة التجفاف نتحصل عليه بطريقتين: إما بإعداده عن طريق القرطاس الخاص بمقاومة التجفاف الذي يباع في الصيدلية والذي يعد بتخليطه بلتر من الماء المغلى ثم المبرد أو ماء الطاولة المعدني؛ وإما بتخليط لتر من الماء بـ 4 ملاعق طعام من السكر و1/2 ملعقة قهوة من ملح الطاولة. ثم نعطيه للطفل بحساب كأس “شاي طرابلسي” من الماء إثر كل تبرز وعلى حسب رغبة الطفل، على أن لا يقل ما يشربه عن نصف لتر يوميا. مع الملاحظة أن ما يُعَدّ يجب أن يستهلك في يومه. فإذا لم تظهر علامات تحسن على الطفل في ظرف 6 ساعات أو ظهرت علامات مرضية أخرى كارتفاع الحرارة أو قيء أو تعكر مزاج… وجب الإتصال فورا بالطبيب لفحص الطفل ومعالجته
– في مرحلة ثانية، بالإضافة لكل هذا، ننصح باتباع الخطوات التالية في اليوم الثاني و ربما الثالث للمرض: إذا كان الطفل دون 4 أشهر من عمره، ننصح بإعطائه ماء الرز المحلى بالسكر، وإذا كان أكثر من 4 أشهر نعطيه حساء خضر ؛ وماء الرز وحساء الخضر يصلحان لإعداد وجبات بالفارينة أو العجين أو النشا أيضا كمرحلة وسطى إعدادا للرجوع للحالة الطبيعية للتغذية.
وفي هذه المرحلة، يمكن إعداد وجبة مفيدة جدا للإسهال وهي “حساء الجزر”، وطريقة إعدادها: 500 غرام جزر طازجة مغسولة جيدا وغير مقشرة، توضع في لتر من الماء، نضيف لها 3 غرامات من ملح الطعام، ثم تغلى مدة ساعتين على نار هادئة، ثم نرجع الحاصل إلى مقدار اللتر بصب شيء من الماء عليه، ثم نرحي الجميع بالخلاطة الكهربائية، ثم نقدم ما تحصلنا عليه سواء في ماء الرز أو مع ماء محلى بالسكر أو حساء الخضر. وقد لاحظنا نجاعة هذه الطريقة في التحكم في الإسهال مهما كانت حدته.
ويمكن في هذه المرحلة أيضا، إذا تجاوز الطفل سن 3 أشهر، إعطاءه عصيرا للتفاح الطازج الكامل (أي بدون إزالة قشرته) والمعد في وقته بالبيت، من 1 إلى 4 ملاعق حسب السن كل ساعتين طيلة 24 ساعة على الأقل.
– في المرحلة الأخيرة، وللعودة للنظام العادي للتغذية، وذلك ابتداء من اليوم الثالث أو الرابع، ننصح باتباع النصائح التالية:
* اليوم الأول: لنفس الكمية العادية من الماء، إضافة 1/4 الكمية العادية من مسحوق الحليب
* اليوم الثاني: إضافة 1/2 الكمية من ذلك المسحوق
* اليوم الثالث: إضافة 3/4 الكمية من ذلك المسحوق
* اليوم الرابع: إضافة الكمية الكاملة من مسحوق الحليب وبذلك يسترجع الحليب طبيعته الأولى.
وهذه الطريقة صالحة أيضا لمن كان يتغذى بحليب البقر، حيث تطبق نفس الخطوات في تخفيف الحليب بالماء، حتى نضمن عودة تدريجية للحليب الكامل، ونتجنب بذلك انتكاس الطفل الرضيع ورجوع الإسهال إليه.

الإسهال عند الطفل:
لا يختلف الأمر كثيرا عند الأطفال الذين يتجاوز سنهم الثانية من العمر، فلا يمكن الحديث عن الإسهال عندهم إلا إذا كانت هناك زيادة كبيرة في عدد المرات التي يتبرز فيها الطفل في اليوم، ويجب أن يكون البراز سائلا، متغير اللون والرائحة، وربما كان به شيء من الصديد والدم.
والأسباب التي تؤدي إلى الإسهال عند الأطفال متنوعة، وأهمها:
– إما خطأ في ما يقدم من أكل مثل الإكثار من الأطعمة المحتوية على نسبة عالية من الألياف كالغلال (خوخ، مشمش…) أو بعض الخضروات أو المثلجات والمشروبات الباردة الخ..
– وإما تناول أطعمة ملوثة وهو ما اصطلح على تسميته بالتسمم الغذائي مما يسبب التهابا للمعدة والأمعاء gastro-entérite aigue وهذا ما يحدث من جراء وضع الطفل لكل ما يلتقطه في فمه، كما يمثل الذباب أحد العوامل المهمة في تلويث الأطعمة وخاصة المكشوفة منها ولا سيما في فصل الصيف
– وإما الإصابة بالإسهال في إطار مرض خارج الجهاز الهضمي كالتهاب الحلق أو الأذن الوسطى أو النزلة الشعبية… وعلاج ا‎لإسهال في هذه الحالة يتم بعلاج سببه
وأهم ما يجب القيام به:
في المرحلة الأولى عندما يكون الإسهال حادا جدا، ننصح بتجنب الحليب ومشتقاته، وبالإقتصار على حساء للخضر (“برودو”) وشيء من السوائل الساخنة والمحلاة بالسكر. ويمكن أن نعطي للطفل عصير التفاح أو الجزر كما بينا ذلك أعلاه وذلك بحساب 2 ملاعق أكل 4 مرات في اليوم. وإذا لاحظنا عليه علامات تجفاف-وهو ما يقل وتنقص خطورته بتقدم سن الطفل- أعطيناه الماء المقاوم للتجفاف كما بينا سابقا.
في المرحلة الثانية، وبعد التحسن، يفضل أن يكون الرجوع للغذاء العادي بتدرج، وننصح في البداية بتناول وجبات من الرز الأبيض المطبوخ، والعجين المطبوخ بدون فلفل ولا بهارات، والبطاطا المطبوخة، والمربى خاصة الإجاص؛ وننصح -في المقابل- بتجنب الغلال الطرية بأنواعها، والبيسكوت أو الخبز المجفف، والحليب ومشتقاته… على أن يتم الرجوع للطعام العادي بعد يوم أو يومين.
– ولا بد من الإنتباه إلى ضرورة عرض الطفل على الطبيب إذا ما تواصل الإسهال مدة أكثر من 6 ساعات متواصلة دون تحسن بالرغم من الإسعافات المقدمة كما بينا آنفا، أو إذا صاحبه قيء شديد أو ارتفاع للحرارة أو آلام حادة في البطن أو كان في البراز دم أو ظهرت علامات مرضية أخرى غير الإسهال مثل آلام في الحلق أو الأذن أو التبول الخ… وعموما فلا تتردد في مراجعة الطبيب إذا لم تتحسن حالة الطفل بالسرعة المطلوبة.
والخلاصة أن تدخل الأسرة الفوري ينقص بشكل كبير من مخاطر التجفاف الذي قد يؤدي للموت أو لإعاقات في بعض الأحيان، لا قدر الله. وتدخلها يبقى -أيضا- مطلوبا حتى بعد عرضه على الطبيب واستعمال الأدوية الموصوفة، وخاصة في طريقة إعداد الأغذية وتقديمها للرضيع أو الطفل طيلة أيام المرض والنقاهة، وكذلك -خاصة- في الوقاية من الإسهال بتجنيب الطفل كل العوامل المساعدة على إصابته به كما بينا في الفقرات السابقة.

د.جلال الدين رويس

facebook

اترك تعليق