التحقيق في نسب عائلة (رويس) من مدينة مساكن

الشيخ محمد الطاهر رويس

 سليل الأشراف

« تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم،

فإنّ صلة الرحم محبّة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر»

حديث شريف، رواه الحاكم في مستدركه،

والترمذي وأحمد في مسنده عن أبي هريرة

كان يطيب لوالدي رحمه الله أن يحدّثنا عن الأصول التي تنحدر منها عائلتنا، دار “رُوِيسْ”، وسكان مدينتنا، مدينة مْسَاكِنْ“، كما ينطقها ساكنوها. ومساكن تقع في الجنوب الغربي لمدينة سوسة جوهرة الساحل التونسي على بعد 10 كلم منها تقريبا. وكثيرا ما سمعنا من الوالد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه أن مؤسسي هذه المدينة أصولهم شريفة، تنحدر من نسل الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وابن فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنّ الرواية المتواترة تورد أنّ رجلا وأربعة من أبناء أخويه قدموا إلى موقع المدينة الحالي بعد أن أجلاهم الحاكم من مدينة القيروان، فأسسوا خمسة قصور[1] حول جامع بنوه بموقع باتت فيه دوابهم فلم يجدوا به عند انبلاج الفجر نجاسة، فرأوا في ذلك علامة لطهر المكان، وقرروا تخصيصه للعبادة، وسمّي بعدئذ بالجامع “الوسطاني” (أي الذي يتوسط قصورهم الخمسة)، وهو ما يعرف حاليا بالجامع الأوسط. ويدعّم هذه الرواية وجود “شجرة نسب” مكتوبة ومختومة من نقيب الأشراف بتونس العاصمة لدى كل العائلات الرئيسية بمدينة مساكن، ومنهم عائلة “رويس” التي تعتبر من أكبرها عدديا، حسبما تثبته سجلات الحالة المدنية الحالية. وكان الحديث حول هذا الموضوع يتجدد كلما تعلق الأمر بالتعريف بأحد أبناء عمومتنا، أو أي شخص ممن انتسبوا لهذه المدينة، حيث كان والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه نسابة ضليعا في هذه المسألة، ودقيقا فيها إلى أبعد الحدود. وأرى لزاما عليّ أن ألخّص ما سمعته من والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه في جلسات متباعدة وأوقات متفرقة، واخترت أن أورد نسبه الشريف حسب شجرة نسب “آل رويس” التي حقّقها أخي منير –والذي كلِفَ بهذا الموضوع وقرّر أن يمحّص أمره بطريقة علمية- وأعلّق على كلّ أصل وفرع بما تسعفني به الذاكرة.

فوالدي هو محمد الطاهر رويس[2]، عرف لدى الجميع باسم “الطاهر” مجرّدا من اسم محمّد، فترى الغالبية من أهل مدينتنا ينادونه بـ “سي الطاهر” أو بـ”الشيخ الطاهر” أو بـ”الحاج الطاهر”. والذي أخبرنا به الوالد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه أنّ والده المرحوم بلقاسم قد اختار أن يطلق على أبنائه جميعا اسم محمد تيمنا بهذا الاسم الشريف، وحبا في صاحبه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وتفاؤلا بأن يرزقه الله بالولد الذكر كلما نوى أن يسمي ابنه محمّدا. من أجل ذلك سمّى أبناءه محمد البشير، ومحمد الهادي، ومحمد الطيب، ومحمد الطاهر، ومحمد الصادق[3]، ومحمد الصالح، وجميعهم ينادى بالاسم الثاني سواء بالمنزل أو بالشارع عدا الأول الذي عرف لاحقا- دونا عن إخوته جميعا- باسم محمد. وقد ولد والدي بالمنزل الكائن بشارع الرويسات [4] بجنان حواس[5] من مشيخة النجاجرة [6] بمساكن، صباح يوم الإربعاء غرة محرّم 1347 هجري الموافق لـ 20 جوان 1928 ميلادي. وهذا التاريخ صحيح مائة بالمائة، وذلك أنّ والده كان عدلا، وأنّ من مشمولات العدول في ذلك الزمان تسجيل تواريخ ولادات من يتقدّم إليهم لذلك. وقد صادف أن كان تاريخ ميلاده رحمه الله ورضي عنه وأرضاه يوم الاحتفال بذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحتفل به كل المسلمين في العالم، فكأنهم يحتفلون جميعا بميلاد الوالد رحمه الله تعالى ووسع عليه. فيكون بذلك سنّ الوالد عند وفاته يوم 12 من محرّم الحرام سنة 1426 هـ بالتاريخ الهجري: تسع وسبعون عاما واثنا عشر يوما أي أنه دخل في سنّ الثمانين، وهو العمر الذي طالما تمنّاه رحمه الله ورضي عنه وأرضاه رجاء أن يكرمه الله بعفوه وغفرانه، وأن يدخل جنة رضوانه، وكان يحبّ أن يردّد على مسامعنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى يحبّ أبناء السبعين، ويستحي من أبناء الثمانين»[7]، وفي حديث آخر:«إنّ الله تعالى يحب أبناء الثمانين»[8]، ومن أحبه الله، أو استحيى من أن يحاسبه، أدخله الجنة ورضي عنه إن شاء الله. وقد كان والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه يؤكّد لنا أنّ حساب السنوات عند الله يكون بالتقويم القمري وليس الشمسي: فحساب السنوات التي قضاها أهل الكهف في كهفهم 309 سنوات قمرية (و300 سنة فقط شمسيا)، وسن الرسول عند وفاته 63 سنة قمريا (وستون ونيف فقط شمسيا)، والعبادات مرتبطة بالأشهر القمرية كالصيام والحج، والأشهر الحرم قمرية الخ… فكان يحبّ لذلك أن يحسب عمره الشريف بالحساب القمري، والتاريخ الهجري. وقد حسبت عمره بالتقويم الميلادي فوجدته ستة وسبعين عاما وثمانية أشهر ويوما واحدا، بحيث يغلق السبعة وسبعين عاما يوم 20 جوان 2005 ميلادي. وأحسب أنّ هذا العمر المبارك، ولو أنّه لم يكن مديدا جدّا، فإنّه كان عريضا مليئا بالإنجازات والحمد لله رب العالمين. أجزل الله له الأجر والثواب ونفعه بصالح أعماله، إنّه سميع مجيب.

والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه متزوّج من ابنة خالته زهرة [9] بنت عثمان[10] بن علي[11] بريري وابنة عويشة بنت عمر بن الحاج علي بن الحاج محمد الباشا ابراهم[12]، له منها خمسة أولاد ذكور هم: جلال الدين (19/08/1957) ومنير (31/08/1958) ونجيب (21/03/1960) ومحمد (28/11/1963) ولطفي (05/04/1968)؛ ومات له اثنان: محمد رشاد (ولد يوم 17 فيفري وتوفي يوم 28 فيفري 1962 بمرض الكزاز) وسارة (توفيت يوم 22 مارس 1965 وعمرها خمسة أيام). كتب على والدتي سنة 1953، ودخل بها بمنزلهم الكائن بشارع الرويسات يوم 7 صفر 1376 الموافق لـ 13 سبتمبر 1956، فيكون بذلك قد قضّى مع والدتي حوالي الخمسين عاما. متعها الله بالصحة والعافية، إنّه سميع مجيب.

ومحمد الطاهر هو ابن بلقاسم، وقد رأيت جدّي رحمه الله يكتب اسمه على النحو التالي: بالقاسم، وهو تصحيف لكنيته صلى الله عليه وسلّم: أبو القاسم، تختص بها البلاد التونسية، وننطقها في مساكن بالقاف كأهل الحواضر التونسية، كالتي نقرأ بها القرآن الكريم، بخلاف أغلب مناطق البلاد التي تنطقها بصيغة القاف المعقودة (ڤ)[13]، كما هو جار عند جميع الأعراب في أطراف العالم العربي من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلنطي. وقد سمعت من والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه أن والده قد ولد عندما دخل الفرنسيون إلى البلاد التونسية، أي خلال سنة1881. اختار والده أن يهبه للعلم: فهو من ناحية رأى أنّ ابنه بلقاسم لا يقدر على القيام بالشؤون الفلاحية لرقة وضعف في بدنه، وهو من ناحية أخرى أحب أن يكون في نسله من يحمل العلم، ويرتقي بعلمه في المجتمع؛ وهو أمر شائع في مساكن، وخاصة عند البيوتات المهمة فيها. ودرس بلقاسم بجامع الزيتونة المعمور حتى بلغ درجة التحصيل ولكن لم يسعفه الحظ بالنجاح في الامتحان النهائي، وازداد الأمر سوءا بوفاة والده سنة 1911، فاضطر للبحث عن شغل، فشارك في مناظرة عدول الإشهاد التي نجح فيها، وعيّن عدلا ببني كلثوم إحدى القرى بضاحية مساكن سنة 1913، ثم نُقل بمثل خطته إلى مساكن سنة 1918[14].

تزوّج من قريبة له هي لطيفة بنت عمر بن الحاج علي بن الحاج محمد الباشا ابراهم[15]، فأمه لطيفة بنت الحاج محمد الباشا ابراهم، أخت الحاج علي الباشا ابراهم، عمّة صهره عمر الباشا ابراهم. وكان عمره أربعين سنة تقريبا عندما دخل بها (أفريل 1920). وقد أنجبا سبعة بنين سبق ذكرهم، توفي منهم محمد الطيب ومحمد الصادق (الأول) في حياته، الأول أسن من والدي بسنة والثاني أصغر منه بسنة أيضا، وتوفي بكره محمد البشير بعد وفاته بسنة تقريبا. وقد أصيب والدي وإخوته باليتم وهم صغار السنّ، حيث توفي والده بلقاسم يوم 26 أوت 1936 بعد مرض مفاجئ وقصير[16]، بمستشفى سوسة ولمّا يبلغ ابنه الأكبر الخامسة عشرة سنة، وابنه الأصغر عام وستة أشهر لا غير، في حين كان عمر والدي ثماني سنوات فحسب. وكان عمر جدي عند وفاته 55 سنة تقريبا. وسوف نفصّل الحديث حول يتم والدي هذا في فصل مستقل إن شاء الله. وقد كان جدّي من حفاظ القرآن الكريم، مواظبا على صلاته، مستقيما في حياته، شديد العناية والحدب على أبنائه، غير محظوظ جدا في حياته العملية حيث كان يعيش على الكفاف، ولعلّ نشاطه المهني (العدالة) قد تأثر بالظرف الاقتصادي الصعب الذي عاشته البلاد التونسية ما بين الحربين، وخاصة بعد أزمة سنة 1929.

يملك جدي بلقاسم مكتبة تتكون بالخصوص من الكتب التي كانت مقررة للدراسة بجامع الزيتونة وبعض الكتب الأخرى المتفرقة؛ مما يبرز كلفه بالعلم، وعمله على النفقة من أجله رغم ضيق ذات اليد.

وقد اختار جدي ترسيم أبنائه بالمدرسة العربية الفرنسية، أين باشر ثلاثة منهم تعلمهم في حياته وهم محمد البشير ومحمد الهادي ومحمد الطاهر. وكانت الغاية الأساسية من تعلمهم – على ما ذكره والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه- هو الحصول على الشهادة الابتدائية، والتي كانت تعفي صاحبها من الخدمة العسكرية، والتي كانت تمثل للكثيرين هاجسا ومصيبة كبيرة، حيث سيجنّد التونسي في الجيش الفرنسي ويخدم المستعمر، وهو ما كان يأباه الكثيرون ولا يقبلون به لأبنائهم، ويسعون جاهدين لتفاديه.

والحاصل أنّ دار جدي بلقاسم رويس رحمه الله تعالى كانت دار علم وتعلّم، وفيها رغبة وحرص على هذا الأمر، تواصل حتى بعد وفاته.

وبلقاسم هو ابن محمّد، ولا تخلو عائلة من اسم محمّد، هذا الاسم الكريم الذي يتيامن به الجميع في مساكن. ومحمّد رحمه الله فلاح نشيط ومربّ للماشية، وجزار أحيانا يحمل في صدره شيئا من القرآن الكريم، ويواظب على الصلاة. عندما توفي سنة 1911 كان سنه ستون سنة تقريبا.

متزوج من لطيفة بنت الحاج محمد الباشا ابراهم، وأنجب منها ثلاثة أبناء وبنتا واحدة هم: بلقاسم جدي أكبرهم سنا، وخليفة، لم يتزوج ولم يعقب، توفي بعد أخيه بلقاسم بسنتين تقريبا، ومحمود الابن الأصغر والذي توفي في الثمانينات[17]، وقد عمّر كثيرا؛ و فاطمة [18] وقد تزوجت صالح بن محمد العربي رويس[19] ولها منه ابنان محمد الصالح وعمر[20] وبنتان عائشة وخديجة.

وكان جدي محمد صارما، نشيطا، محبّا للعلم ولكنه لم يجد السند الكافي من أبنائه، وخاصة في نشاطه الفلاحي. ومن حسناته أنه اشترى ضيعة قريبة من مساكن بمنطقة تدعى “سيار”، وقد أصبحت حاليا منطقة سكنية، وقد نال أحفاده منها نصيب، والحمد لله أولا وأخيرا.

ومحمّد هو ابن خليفة وإليه ينسب فرعنا من عائلة آل رويس فيقالأولاد خليفة رويس [21]. وذكر لي والدي أنه كان ثريا، ميسورا من الناحية المادية، وأنه كان فارسا ماهرا، وصيادا، وأنه كان يستعمل الأسلحة النارية، وأنه أصاب أحدهم بسلاحه في عرس من الأعراس خطأ فقتله، وقد برأه القضاء، وقبلت عائلة الميت بالدية كما حدثني والدي، فقد كان ذا حظوة واحترام كبيرين في شارعه. وله من الأبناء محمد الذي ذكرناه، والحاج علي الذي خلّف أبناء كثيرين ممن يمتون لنا بصلة قرابة كبيرة، وهم: * حسين رويس[22]، العدل والذي كان جليسا لجدي بلقاسم، غير أنّه تخاصم معه في أواخر حياته وتفارقا * والحاج أحمد الذي له أبناء كثيرون منهم محمد [23] الذي كان موظفا بالعدلية بسوسة (وقد أعان والدي بتوظيفه في الصيف معه مقابل دريهمات قليلة ولكنها ذات أهمية بالغة بالنظر لظروفه)، ومن أحفاده محمد المنذر بن مصطفى (الطبيب)؛ وفرج المقاوم؛ ويونس؛ وعبد الحميد الخبير الفلاحي (ابناه علي والنوري)، وخميس (من أبنائه المنصف طبيب النساء والتوليد)… * وبلقاسم وهو أخ غير شقيق لهم، من أمّ أخرى، بنت المخينيني، توفي أواخر التسعينات، له أبناء كثيرون. وأخيرا كان لخليفة بنت واحدة تدعى ساسية تزوجت من سالم القزاح ولها أبناء عديدون.

وخليفة هو ابن الحاج بالقاسم، يدلّ أداؤه لفريضة الحج على تدينه وثرائه في آن واحد. والحاج بلقاسم ثالث ثلاثة إخوة تفرع عنهم أغلب أولاد رويس وهم: * الحاج عمر ومن ذريته على سبيل الذكر لا الحصر المرحوم علي رويس المحامي وهود رويس وأخوه المنصف أستاذ الرياضيات وكذلك محمد بن علي وابنه الحبيب المحاسب … وكذلك محمد بن عبد العزيز ومن أبنائه البشير، عون الأمن وصاحب مقهى الأندلس بطريق صفاقس…

* الحاج أحمد ولم ينجب إلا محمّدا المعروف بالرابح، وهو الذي لم يخلف سوى البنات، ومنهن واحدة تزوجت بدار حميدة وابناها سالم (خضار، توفي) وعبد السلام (تاجر في الأسواق)… ومن إحدى بناتهم أولاد بوقيلة رويس

* الحاج بلقاسم جدنا، ومن ذريته من ذكرنا من أجدادي… وكذلك أولاد عبيد رويس مثلا .

وهؤلاء الثلاثة ولدهم محمد بن سالم؛ وسالم هو أوّل من أطلق عليه لقب رويس ، والراجح أن ذلك كان بسبب كبر في رأسه. وقد كان سالم هذا ثريا، فقد عثر أخي منير على دراسة (“الفلاحون التونسيون”) قامت بها  باحثة فرنسية اسمها “فالنسي” ذكرت بأن من أثرياء مساكن سالم رويس ( وكتبت اسمه كالتالي Salem Ruis) ، وقدرت عدد زياتينه بعشرين ألف أصل زيتون، إضافة إلى مواشيه وأراضيه الزراعية الأخرى…  

وسالم هو ابن محمد بن عبد الله بن علي بن أحمد بن علي بن عبد الله بن علي. وعلي هذا عرف بالأعمى وبالزاهد أيضا وفيه اجتمعت عائلات عديدة في مساكن منها: عائلات رويس والقزاح والشطي وقلولو والبحيري وبن خليفة وغيرهم…

وعلي هو ابن محمد بن يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن سالم بن عبد المحسن المعروف بالنجاري وهو جدّ النجاجرة وصاحب قصرهم وأحد المؤسسين لمدينة مساكن كما أسلفت الذكر.

وعبد المحسن هو ابن محمد بن هلال الجد الجامع لأهل مساكن جميعا كما ذكر لي والدي رحمه الله في العديد من المرات، موضحا لي بأنه ليس من بني هلال كما يتبادر إلى الذهن عند سماع اسمه، بل هو شريف النسب من آل البيت كما سيتبين لاحقا. ولمحمد بن هلال ثلاثة أبناء:

عبد المحسن المعروف بالنجاري صاحب قصر النجاجرة،

– وهلال بن محمد بن هلال الذي ولد أبا بكر وهو صاحب قصر القبليين [24]، وعبد المنعم صاحب قصر المناعمة [25]،

– ومكي بن محمد بن هلال الذي ولد محمد الجديدي صاحب قصر الجديديين [26]، وعبد الله الحاري صاحب قصر الجبليين [27].Msaken 2

فيكونون بذلك عمّا وأربعة أبناء العمومة كما أسلفت القول في بداية الحديث.

وهلال هو ابن محمد بن خليفة بن علي بن يحيى بن راشد بن فرقان بن حسان بن سليمان بن أبي بكر بن مؤمن بن محمد الكبير. ومحمد الكبير هو آخر من تولى الإمارة بتاقدمت بغرب الجزائر، وفي عهده أسقط العبيديون إمارة تاقدمت. وكان قد ورث هذه الإمارة عن أبيه عبد القوي، الذي ورثها بدوره عن أبيه عبد الرحمان، الذي أسس والده هذه الإمارة الصغيرة لمّا قدم إلى تاقدمت من قرية الجديدة بوادي الصفراء الواقع بين بدر والمدينة المنورة. والظاهر أنهم فرّوا من الشرق إلى أقصى المغرب فرارا من البطش السياسي الذي طال آل البيت وخاصة البيت الحسيني منه. فمحمد الكبير –إذن- هو ابن عبد القوي بن عبد الرحمان بن إدريس بن موسى بن إسماعيل بن موسى الكاظم، الإمام السابع للشيعة الإمامية (ولد سنة 745هـ وتوفي سنة 799هـ). ولموسى الكاظم أبناء كثيرون، أحدهم إسماعيل الذي سكن العراق فيما تذكر الروايات، وهو أخ الإمام الشيعي المعروف علي الرضا (الإمام الثامن) الذي نصّبه المأمون الخليفة العباسي وليا لعهده، ثم توفي قبل أن يليها.

رحلة أجداد أهل مساكن عبر التاريخ

وموسى الكاظم هو ابن جعفر الصادق (الإمام السادس 702-765)، ابن محمد الباقر (الإمام الخامس 676-732)، ابن علي زين العابدين (الإمام الرابع 658-713)، ابن الحسين (ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة: الإمام الثالث ولد بالمدينة المنورة سنة 626، وقتل شهيدا بكربلاء سنة681 )، ابن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (600-662)، رابع الخلفاء الراشدين، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكفيله، وختنه: زوّجه من ابنته الصغرى فاطمة بنت محمد بن عبد الله، والتي رزقت منه بابنين (الحسن والحسين) وثلاث بنات (زينب ورقية وأم كلثوم).

فيكون بذلك والدي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه حسينيا شريفا حسبما ورد بالشجرة التي أنجزها أبو بكر الغول البحيري بتاريخ 12 ربيع الأنور 1314 هـ (1896م)، وصادق عليها نقيب الأشراف بتونس سنة 1322 هـ (1904 م). فهو –إذن- محمد الطاهر بن بلقاسم بن محمد بن خليفة بن الحاج بلقاسم بن محمد بن سالم بن محمد بن عبد الله بن علي بن أحمد بن علي بن عبد الله بن علي المعروف بالأعمى والزاهد بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن سالم بن عبد المحسن المعروف بالنجاري بن محمد بن هلال بن محمد بن خليفة بن علي بن يحيى بن راشد بن فرقان بن حسان بن سليمان بن أبي بكر بن مؤمن بن محمد الكبير بن عبد القوي بن عبد الرحمان بن إدريس بن موسى بن إسماعيل بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين، ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه. آمين يا رب العالمين.

لمحة عن نسب أهل مساكن2

***

يجدر بنا -بعد أن بسطنا القول حول هذا النّسب بما يستحقه من تفصيل بدا لي في بعض الأحيان مطولا- أن أنقل موقف والدي رحمه الله تعالى من هذه المسألة التي طالما تناقشنا حولها. فهو -بقدر اعتزازه بنسبه- بقدر تشديده علينا دائما القول ” بأن الإنسان لا يدخل الجنة أبدا بنسبه، ولكنه لن يدخلها إلا بعمله”، وبأن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال لأقربائه: «لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم»، وقال مخاطبا ابنته: «يا فاطمة اعملي، فإني والله لا أغني عنك من الله شيئا» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وقد راجعته مرّة حول قول الله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كلّ امرء بما كسب رهين) [28]، فقال لي رحمه الله: “الإلحاق لا يتم إلا في الدرجة في الجنة بعد دخولها، لا قبل دخولها، أي ترفع درجة الذرية إلى درجة الآباء والأجداد ما كانت الذرية صالحة مستحقة لدخول الجنة؛ أمّا إن كانت من أهل الشقاء، فلا يمكن أن نتصور الآباء والأجداد يتدخلون أو يشفعون لأحد من ذرياتهم، إلا بإذن من الله تعالى طبعا. من أجل ذلك فلا مجال للاتكال، وانتظار منحة قد لا تأتي وتدخّل قد لا تكون له فرصة [29]. فالحقيقة الثابتة (ألا تزر وازرة وزر أخرى* وأن ليس للإنسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى* ثم يجزاه الجزاء الأوفى*) [30] ، (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ) [31]،   و(كلهم آتيه يوم القيامة فردا) [32]، (يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه* لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه) [33]. كلّ هذه الآيات والمعاني كثيرا ما تتردد على لسانه رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه.

***

من ناحية أخرى، جرّنا التباحث غير مرّة حول حقيقة نسب أهل “مساكن” إلى البيت الحسيني إلى التساؤل حول سنية أهل هذا البلد الطيب، وعدم تشيعهم. وقد ذكر لنا الوالد رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه أن هناك الكثير من سلالة علي بن أبي طالب سواء الحسينيون أو الحسنيون من أهل السنة، مثل العائلة العلوية الحاكمة الآن بالمغرب الأقصى، والعالم الهندي الشهير أبو الحسن الندوي على سبيل الذكر لا الحصر. ويرجح أنّ العالم المساكني الجليل سيدي علي بن خليفة الذي تعلّم على سيدي علي النوري بصفاقس، وعلى فقهاء السنة في مصر، والمالكية منهم بالخصوص، هو الذي رسّخ المذهب المالكي السني وثبّته بالبلدة. غير أننا نلاحظ أن بعض العادات الشيعية والعبارات العامية المتوارثة قد تشير إلى أثر للتشيع (أو بعبارة أخرى محبة كبيرة لآل البيت) على أهل هذه البلدة. من ذلك الاحتفال بعاشوراء، وإضرام النار فيه، وتكحل النساء في تلك المناسبة، والامتناع عن خطبة النساء أو الزواج في هذا اليوم لأن المناسبة مناسبة حداد[34] لا فرح، ورسم الخُمسة على واجهات المحلات (ويدل كل إصبع في الخمسة على واحد من أهل العباءة: محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي وفاطمة، والحسن والحسين رضي الله عنهم)، واستغاثة المرأة في طلقها عند الولادة بمحمد وعلي، وذلك بقولها: “يا محمد، يا علي …”، وقول الواحد من سكان مساكن إلى آخر في مواقف التعجب أو التأنيب أو التهدئة: “صلِّ على جَدِّك” يقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الآخرين الذين يقولون:”صلِّ على مولاك”، وكثرة إطلاق أسماء أهل البيت على الأبناء (محمد، علي، الحسن والحسين للتوأم الذكري خاصة، أبو القاسم، جعفر الخ…) والبنات (فاطمة، خديجة، آمنة، زينب…) إذ لا يخلو بيت من مثل هذه الأسماء… وما إلى ذلك من الدلائل الصغيرة التي تنبؤنا عن موروث شيعي شعبي في مدينة مساكن.

***

وقد سألت والدي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه ذات مرّة عن شجرة نسب عائلتنا، فذكر لي أنها عند ورثة الحاج علي بن خليفة رويس، فتعجبت لعدم امتلاك عائلتنا لمثل تلكم الشجرة، ففسر لي السبب وهو أنّ الحاج علي طلب من جدنا محمد شقيقه أن يساهم في المصاريف التي تدفع لبوبكر الغول البحيري الذي يكتب تلك الشجرة وقدرها “قفيز” من القمح، فأبى أن يدفع ذلك المقدار الذي يعتبر في ذلك الزمان مشطا، لأمر رآه قليل الأهمية، يعلمه كلّ النّاس ولا ضير من عدم تسجيله. فلمّا هدّده بعدم إيراد اسمه بالشجرة المذكورة أجابه: “اشبع بالشرف لوحدك، فأنا لست في حاجة إليه”. وهو ما يفسر عدم وجود اسم جدنا محمد في تلك الشجرة، التي يحتفظ بها الآن الدكتور محمد المنذر بن مصطفى بن محمد بن الحاج أحمد بن الحاج علي رويس. وقد تفضل بمدي بنسخة منها، جازاه الله خيرا.

***

ولأن نسبنا، أولاد رويس، يتصل بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أبو الأنبياء، عن طريق رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم، فإن والدي روى لنا غير مرة – بكثير من الاعتزاز والغبطة- أنه أمكن له -عندما أدّى فريضة الحج سنة 1973- أن يطلع إلى مقام سيدنا إبراهيم قبالة باب الكعبة الشريفة، فرأى داخل القبة البلورية حجرا، به أثر لقدم آدمية، قيل له أنها لسيدنا إبراهيم عليه السلام، ورأى لذلك الأثر شبها بقدمه رحمه الله تعالى؛ فكأنه رأى في ذلك علامة على انحداره من صلب أبينا إبراهيم، وإمكانية أن تكون رواية النسب والشرف حقيقة واقعة. فلعلّها فراسة المؤمن، أو النور الذي يقذفه الله في قلب كل تقي، فيرى به ما لا نرى. جعل الله مثوى والدي جنة النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. آمين يا رب العالمين.

 الهوامش:

[1] القصر هو عبارة عن حصن صغير ساحته دائرية لها منفذ واحد يغلق ليلا. وتفتح على تلك الساحة المساكن المعدة للسكن، فهو بهذا الاعتبار تجمع سكني صغير حصين غير منكشف. 

[2] رويس لقب مشترك لعائلات متفرقة أهمها العائلة التي ينحدر منها والدي، وغيرها، مثل رويس بوقديدة، وبالوص رويس … في مساكن ليسوا من عائلتنا، وإنما هو تشابه في الأسماء فحسب. وخارج مساكن لا علاقة لنا بعائلة الرويسي التي تنحدر من دقاش بالجنوب التونسي حسبما ذكره لي الوالد غير مرة.

[3] سمى به جدنا بلقاسم ابنين من أبنائه، مات أولهما-وقد ولد بعد والدي مباشرة ولكنه لم يعمّر-   فأطلق الاسم مجددا على عمّي محمد الصادق الذي لا يزال على قيد الحياة إلى الآن.

[4] الرويسات جمع مفرده رويس، وهو اللقب الجامع الذي يطلقه أهل مساكن على “أولاد رويس”. ويطلق الآن اسم “نهج الهادي شاكر” على شارع الرويسات بمساكن.

[5] هي المنطقة المركزية لمشيخة النجاجرة، وعرف أهلها بالتناصر والتكاتف خاصة عند الخصومات، فينتصرون لبعضهم ابتداء ثمّ يسألون عن سبب الخصومة بعدئذ.

[6] يقع قصر النجاجرة جوار الجامع الأوسط من الجهة القبلية

[7] رواه ابن نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (قال السيوطي في الجامع الصغير حديث حسن)

[8] رواه ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنه

[9]  ولدت في 29 فيفري 1929

[10] ولد خلال سنة 1910 وتوفي يوم 19 ربيع الثاني 1413 الموافق لـ 16 أكتوبر 1992، وكان قد تزوج بعويشة ابراهم ربيع سنة 1935

[11] متزوج من آمنة بنت حميدة العشاش التي توفيت يوم الجمعة 15 ذو القعدة 1381 المواقق لـ 20 أفريل 1962، ولم تخلف إلا ابنا واحدا هو عثمان بريري، أما البقية ممن ولدتهم فماتوا دون عقب

[12] توفيت في 1 رجب 1409 الموافق لـ7 فيفري 1987 عن سن يناهز الثمانين عاما

[13] ذكر المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه ورقات، ج3، ص 100 ما يلي:” يقول ابن خلدون: الأعراب لا ينطقون بالقاف من مخرج القاف عند أهل الأمصار، كما هو مذكور في كتب العربية، بل يجيئون بها بين الكاف والقاف…” وهو وصف دقيق لنطقها في تقديري.

[14] أمر توليته عدلا بمساكن مؤرخ في 21 جمادى الأول 1336 هـ الموافق لـ 4 مارس 1918 م، عدد 5584، ممضى من طرف محمد الناصر باي تونس.

[15] تاريخ الصداق يوم السبت 11 صفر 1337 الموافق 16 نوفمبر 1918، وتاريخ الدخول أفريل 1920

[16] يرجح أن يكون التهاب الزائدة الدودية

[17] يوم 1 أوت 1983 الموافق لـ 21 شوال 1403 هـ

[18] توفيت يوم الثلاثاء 26 ربيع الثاني 1390 الموافق لـ 30 جوان 1970

[19] توفي يوم الثلاثاء 19 رمضان 1387 الموافق لـ 19 أكتوبر 1967

[20] توفي يوم الثلاثاء 15 جانفي 1990 الموافق لـ 18 جمادى الثاني 1410

[21] نظرا لامتداد عائلة رويس في مساكن فإن أهلها يفرقون بين مختلف بطونها وفخوذها بألقاب إضافية أخرى حتى يسهل التعرف على أصل الفرد وجدوده. من تلك الألقاب مثلا: السقا، باباي، بوقدوحة، عبيد، بوقيلة، الحاج الساسي، العربي، قمعون، المزقيرو، قسومة، الحاج عمر، بادا الخ…ويضاف إلى جميعها اللقب المشترك رويس وقد يسقط بمرور الزمن. أمّا عائلتنا فثبت فيها لقب رويس مجرّدا.

[22] توفي يوم الجمعة 7 محرم 1388 الموافق 5 أفريل 1968

[23]  توفي يوم الاثنين 14 رمضان 1386 الموافق لـ 26 ديسمبر 1966

[24] يقع قبلة الجامع الأوسط وراء قصر النجاجرة

[25] يقع شرقي الجامع الأوسط

[26] يقع غربي الجامع

[27] يقع جوفي (شمال) الجامع

[28] الطور 19

[29] وقد قرأت في كتاب “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح” لابن قيم الجوزية ما يؤيد هذا الكلام (انظر فصل “في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله” ، ص 295)

[30] النجم 37-40

[31] المؤمنون 101

[32] مريم 95

[33] عبس 34-37

[34] يوم مقتل الحسين بن علي بكربلاء

إعداد د. جلال الدين بن محمد الطاهر رويس