النّظام الغذائي للطّفل السّمين

النظام الغذائي للطفل السمين

Obésité

السمنة عند الأطفال ظاهرة آخذة في التفاقم، ولا تمثل في حدّ ذاتها سببا للإتصال بالطبيب -إلا في حالات نادرة-، ولكن السمنة عند الأطفال مشكل خطير لا بدّ من الحذر منه وعدم التهاون به، لا سيما إذا كانت السمنة مفرطة. ونشير -من البداية- أن السمنة يمكن أن تصيب الطفل منذ صغر سنه وربما حتى قبل ولادته؛ ولذا وجب الإنتباه للأمر من الأولياء حتى يجنبوا أولادهم هذا المشكل الذي سيقاسون منه طيلة حياتهم وستكون له عليهم آثار جسمانية واجتماعية ونفسانية كان من الأولى تفاديها منذ الصغر.
متى يكون الطفل سمينا؟
يكون الطفل سمينا عندما يتجاوز وزنه 20 % فأكثر من الوزن العادي المناسب لسنه. وهذا الوزن يختلف حسب الجنس عند الولادة: عند الذكر يبلغ وزن ولادته 3400 غرام في المعدل، وهو عند الأنثى 3200 غراما تقريبا.
وفي عامه الأول يزيد الطفل بمعدل 25 غرام يوميا في الأشهر الأربعة الأولى، وبمعدل 15 غراما يوميا في الأربعة أشهر الثانية، وبمعدل10 غرامات يوميا في الأربعة أشهر الأخيرة من السنة الأولى. والطفل عموما يضاعف وزنه (x 2) في شهره الخامس، ويزن 8 كيلوغرامات في سن الثمانية أشهر، ويثلثه (x 3) في تمام السنة، ويضاعف الطفل وزنه 4 مرات في سن الثلاثين شهرا.
وإثر ذلك يزيد الطفل عموما 2 كيلوغرامات في العام الواحد، بحيث يمكن أن نطبق القاعدة التالية في حساب وزن الطفل الطبيعي متى كان طوله عاديا وغير سمين:

الوزن (بالكيلوغرام) = (العمر بالأعوام × 2)+8

مثال على ذلك: طفل عمره 6 سنوات، يكون وزنه العادي: (6×2)+8=20 كغ
وهذه القاعدة تطبق على الذكر والأنثى على حد سواء -بالرغم من وجود شيء من الفرق بينهما غير أنه بسيط-إلى حدود سن البلوغ. والسمنة تبدأ من حدود زيادة 20 % من هذا الوزن، أي ابتداء من وزن 24 كلغ بالنسبة لهذا المثال.
و للإشارة نذكر أن الطول يكون عند الولادة -في المعدل العادي- 51 صم للذكر و 49 صم للأنثى. والزيادة في الطول تكون بمعدل 25 صم في السنة الأولى من العمر، و12 صم في السنة الثانية ثم 6 صم كل عام بعد ذلك. ويمكن أن نتحصل على الطول بتطبيق القاعدة التالية وذلك ابتداء من العام الثالث من العمر إلى حدود سن البلوغ:

الطول (بالصنتيمتر)= (العمر بالأعوام × 6)+80

مثال على ذلك: طفل عمره 6 سنوات، يكون طوله العادي: (6×6)+80=116 صم
فإذا كان الطول عاديا حسب هذه القاعدة، فإن الوزن يجب أن يكون مناسبا له حسب القاعدة التي ذكرناها آنفا. ويمكن مراعاة الزيادة في الطول بزيادة في معدل الوزن تحسب على قدر هذه الزيادة وذلك لتجنب الحديث عن سمنة مغلوطة. مثلا إذا كان الطول في سن السادسة 136 صم فإن الزيادة فيه تكون بـ 20 % تقريبا، وهو ما يجب مراعاته في حساب الوزن الذي نقبل فيه نفس الزيادة أي 24 كلغ عوضا عن 20 كلغ، ولا تعتبر هذه الزيادة سمنة بل أمرا عاديا مقبولا، وهكذا…
العوامل المساعدة
والسمنة تتكون عند الأطفال الذين تتوفر لهم جملة من العوامل المساعدة لظهورها. وأهم هذه العوامل هي:
– عندما يكون وزن الطفل عند ولادته زائدا عن المعدل العادي، فإن احتمال إصابته بالسمنة يكون أكبر، خاصة إذا كانت السمنة وراثية في العائلة وكان مستوى العيش مرتفعا لديها. وقد لاحظنا أن بعض الأمهات الحوامل يعمدن إلى مضاعفة مقدار ما يأكلن أثناء مدة الحمل بحجة “أنها تأكل لاثنين” وهذا محض الخطإ، بل الأولى البحث عن نوعية الأكل وإجادة تخير المفيد منها لا مضاعفة كمياتها. وللأسف يؤدي هذا السلوك في غالب الأحيان إلى ولادة أطفال زائدي الوزن، وهو ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى إصابتهم بالسمنة في مستقبل أيامهم.
– هناك جملة من الأمراض التي لاحظنا أنها عادة ما تكون مصحوبة بزيادة في الوزن عند الكثير من الأطفال، ومن هذه الأمراض الربو (الفدة)، التبول اللاإرادي الليلي، الآلام المتفرقة دون سبب عضوي أومرض حقيقي… وقد لاحظنا كذلك أن السمنة قد تحدث إثر بعض العمليات البسيطة مثل عملية الزائدة الدودية أو إزالة اللوزتين في الحلق … وليس لهذه الزيادة تفسير واضح.
– ومن أهم الأسباب في هذا المجال هو طبيعة العلاقة بين الأم وطفلها التي تتحول في بعض الأحيان إلى علاقة يمكن أن ننعتها بصفة “الأم-الدجاجة” والتي تتميز بإصرار الأم على ربط حبها لولدها بكمية وكيفية إطعامه حتى تصبح المعادلة: كلما أطعمت الأم طفلها أكثر كلما كان حبها له أكبر. وينتج عن ذلك حتما سمنة مع مرور الأيام، وهو ما تتباهى به الأمهات فيما بينهن عند المقارنة مع أقران طفلها، وهن لا يعلمن أنهن يفتحن بذلك لأطفالهن بداية طريق طويل للمشاكل الصحية والنفسية ولا شك. بقي أن نشير أن هذه العلاقة قد تنقلب إلى الضد وينتج عنها صراع دائم بين الأم وطفلها حول الأكل وينتهي إلى إضراب الطفل عن الأكل وبالتالي إصابته بالنحافة والهزال وهو ما سنبينه في مكان آخر.
– ومن الأسباب الميسرة لظهور السمنة عند الأطفال حدوث أزمات أو طوارئ على النسق العادي للحياة في البيت والمحيط الأسري، مثل حصول خلافات بين الأب والأم وتكرر عراكهما أمام طفلهما، أو حصول فراق بينهما، أو نشوء خلاف بين الطفل وأبويه واستفحال عمق الهوة بينه وبينهما، أو حدوث تغير لوضعية الأم خاصة كأن ترجع لشغلها الذي انقطعت عنه بسبب راحة الولادة والحضانة في البداية مما يكثر تغيبها عن الطفل والمنزل فيحدث للطفل فراغ يملؤه بالإقبال على الأكل، وكذلك الأمر عند ولادة طفل جديد وما يصحبه من غيرة عند الطفل الأسن قد تتمظهر في زيادة في الأكل وظهور السمنة عنده… ولا بد أمام كل حالة سمنة من دراسة وافية للحالة النفسية والإجتماعية للطفل وللأسرة.
– ولن نغفل أخيرا -في هذا الصدد- ذكر جملة الأمراض المتصلة بالغدد الصماء في الجسم والتي يجب التأكد من سلامة الطفل من الإصابة بها قبل كل شيء، وهو ما يمكن أن يؤكده الطبيب بسهولة بعد القيام بفحص سريري وتحاليل مخبرية كاملة.

نصائح عملية
نورد فيما يلي جملة من النصائح العملية البسيطة التي يجب على الأولياء وخاصة الأم الأخذ بها لتجنيب أبنائهم نشوء السمنة واستفحالها لديهم، وتتأكد هذه النصائح إذا ما كان الوزن زائدا عن العادي أكثر من 15 %. ويشرع في تطبيق هذه النصائح فور اكتشاف السمنة لدى الطفل، ولا يتم هذا الإكتشاف إلا بمداومة وزنه مرة كل أسبوع في الأشهر الثلاث الأولى ثم كل شهر فيما تبقى من العام الأول ثم مرتين في السنة على الأقل بعد ذلك. فإذا تيقنا وجود السمنة وشرعنا في نظام خاص للأكل والنشاط، وجب وزن الطفل كل أسبوع على الأقل، والأفضل في هذه الحالة امتلاك آلة وزن في المنزل كي تسهل عملية مراقبته عن كثب.
1) عند الرضيع:
– إذا كان وزن الولادة مرتفعا أو كان هناك استعداد عائلي للسمنة عند الوالدين أو الإخوة فإننا ننصح بالإقتصار على الرضاعة الطبيعية للطفل حتى بلوغ الشهر الخامس، وإذا تعذر أن ترضع الأم ولدها من صدرها فإننا ننصح باللجوء إلى الرضاعة الصناعية بحليب صناعي قريب من حليب الأم ولا يجب خاصة اللجوء إلى حليب البقر الكامل وحتى المعقم نصف الدسم لأن الدهون الموجودة فيه تسبب لوحدها السمنة. وفي هذه المدة بمنع إطعام الرضيع أي طعام آخر مهما كانت بساطته، وخاصة الخشاف petits pots التي يسهل تناولها ولا فائدة منها لجسم الطفل في هذه الفترة وتساهم بوفرة في تكدس الشحم في جسم الرضيع، وقس على ذلك المآكل التي يعدها البعض من البسكويت والنشا أو من اللوز والفزدق والبوفريوة والبندق وكذلك من الجلجلان والكمون وما إلى ذلك… فكل هذه المآكل قد يقبل عليها الطفل وقد تسمنه، وبالتالي تجعل الأم تشعر بالرضا عن النفس والزهو ، ولكنها لا تعلم أنها تسبب له بذلك استعدادا دائما للسمنة في كهولته بنسبة تفوق 80 % من الحالات. وننصح في هذه الفترة بالإقتصار على الحليب وابتداء من الأسبوع السابع بإعطاء شيء من عصير الغلال المخففة بالماء دون إضافة سكر، وإثر انتهاء الشهر الثالث إعطاء وجبة واحدة من الفارينة التي تباع في الصيدليات.
– بعد الشهر الخامس، ننصح بتنويع المأكل عند الطفل السمين على أن يكون ذلك لصالح الخضر، والبروتينات من لحوم بيضاء وحمراء وأسماك وطيور، والغلال على مختلف أنواعها على حالتها أو في شكل خشاف compote، على حساب السكريات سواء كانت البسيطة كالسكر الأبيض والعسل والحلوى والشيكولاطة والشامية والمربى والمرطبات والمثلجات… أو مركبة مثل العجين ومشتقاته كالكسكسي والشربة والمكرونة وما إليها… والتي يجب تحديد كمياتها وإلغاء بعضها تماما. والذي نلاحظه عادة أن الطفل السمين يقبل بسهولة أكبر وبشراهة على كل ما هو حلو، فلا يجب على الأم مطاوعته، بل لا بد من تعويده على ما يفيده ولا يسمنه، وفي نظرنا أن ذلك -بالرغم من التعب الذي سينال الأم في فرض النمط الغذائي السليم- هو الدليل القطعي عن حبها الحقيقي لطفلها واستعدادها للتعب والتضحية من أجل مصلحته، وربما كان ذلك على حساب أعصابها وراحتها، ولكن لا بأس، فمزيدا من الشجاعة والصبر والمثابرة حتى نحصد المزيد من النجاحات والتوفيق. أما بالنسبة للحليب ومشتقاته فلا بد من الإنتباه إلى أن اليوغرت والجبن الطري petit-suisse واللبن والرائب كلها حليب يجب مراعاتها في جملة ما يجب أن يستهلكه الطفل من هذه المادة، بحيث أن إطعامه أحد هذه الأصناف يؤدي بالضرورة إلى التنقيص من كمية الحليب اللازمة التي يجب أن نعطيها للطفل في الأربعة والعشرين ساعة. وعلى كل حال، فلا يجب تناول أكثر من علبة ياغورت واحدة طبيعية وبدون سكر أو قطعتين من الجبن الطري بدون إضافة سكر لهما مثلا في اليوم، لا تناولها مرتين وربما ثلاث مرات يوميا كما يعمد إلى ذلك بعض الأمهات، لأن ذلك يؤدي حتما إلى الزيادة في الوزن.
2) عند الطفل:
– في العام الثاني من العمر: نلتزم النصائح الغذائية التالية حتى نتفادى السمنة ولا نزيد منها:
* لا يجب أن تتجاوز كمية الحليب يوميا أكثر من 400 غرام، ويحبذ تناوله خاليا من الدسم أو على أقصى تقدير نصف دسم. ويقدم هذا الحليب في أشكال متنوعة حسب رغبة الطفل على أنه يحبذ عدم إضافة سكر أو عسل له.
*تجنب كل أنواع الحلوى والشامية والمرطبات والحلويات بأنواعها
* يجب عدم تقديم أي مشروبات باردة أو مثلجة مهما كان نوعها قبل نهاية العام الثاني
* الشيكولاطة محبذة عند أغلب الأطفال، ولكن من الخطإ مطاوعتهم في أمرها في هذه السن، فالطفل متى عرفها أقبل عليها بشراهة بالرغم من أنها تضعف شاهيته، وقد تسبب له حساسية في الوقت الذي تسمنه دون فائدة غذائية حقيقية لنموه
* تجنب إطعامه كل أنواع الفواكه الجافة كاللوز والبندق والفزدق واللوز الجاف والبوفريوة وجوز الهند وقلوب القرع وعباد الشمس وما إليها…
* التنقيص من الوجبات الدسمة وتجنب العجين بأنواعه، وتعويض ذلك باللحوم والأسماك ولحوم الطيور، وكذلك الخضروات في فصولها
* استهلاك كمية طيبة من الغلال الفصلية الطازجة وتجنب المربيات والعصير خاصة إذا احتوى على كمية كبيرة من السكر.
– من الثالثة إلى سن البلوغ: ننصح بالاستمرار على نفس النظام الغذائي مع مراعاة النقاط التالية:
* الحليب يستهلك بكميات معقولة: من 3 إلى 4 سنوات حوالي 350 غرام يوميا؛ من 5 إلى 6 سنوات حوالي 250 غرام يوميا وهي الكمية التي يمكن أن يتناولها الإنسان حتى كهولته لا أكثر.
* البروتينات (الزلاليات) تستهلك بكثافة، حوالي 3 غرامات لكل كلغ من وزن الطفل على الأقل يوميا، بأشكالها المتعددة الحيوانية منها والنباتية، ويحبذ تناول 3 بيضات على الأكثر أسبوعيا، وننصح بتناولها صلبة لا مقلية.
* تحديد كمية الدهون من زيوت نباتية وشحوم أو دهون حيوانية من زبدة وسمن ومايونيز وغيرها يوميا بكمية لا تتجاوز 10 غرامات منها مجتمعة، سواء في حالتها نيئة أو مطهية أو مقلية. ويحبذ عدم تناول الطعام مقليا إطلاقا إذا كان الطفل سمينا. ويجب الامتناع عن تناول أي نوع من الفواكه الجافة كما أشرنا إلى ذلك أعلاه.
* السكريات المباشرة تمنع تماما مثل الحلوى والشيكولاطة والشامية والعسل والغلال الحلوة جدا كالعنب والموز والتمر والكرموس …، والنشويات كالمكرونة والكسكسي والخبز… تؤكل بكميات معقولة، والغلال تتناول بحرية لكثرة الفيتامينات التي تحتويها ومنافعها الجمة على الجسم، غير أننا ننصح بتناول صنف واحد في كل وجبة فقط.
* الإكثار من تناول الأطعمة المحتوية على نسبة مرتفعة من الألياف تساعد الطفل على تحمل الجوع لأنها تجعله يحس بالامتلاء دون أن تزيد من كمية الحريرات للجسم. وهذه الأطعمة متوفرة في الحبوب الكاملة والمحافظة خاصة على نخالتها، والغلال خاصة التي تكون بقشرتها كالتفاح والأجاص والخوخ والمشمش والعوينة وغيرها كالدلاع والبطيخ…، والخضروات بأنواعها كالفقوس والبسباس والكرمب والبروكلو والجزر واللفت والبصل والفجل وما إلى ذلك…
الرياضة رافد أساسي لكل نظام غذائي للطفل السمين
لا يمكن الحصول على نتيجة إيجابية في أي نظام غذائي للسمين ما لم يكن مصحوبا بنشاط بدني مصاحب، يقوم به الولي لابنه بقصد التخسيس. وفي هذا المجال نقدم النصائح التالية:
– بالنسبة للرضع الذين ما زالوا لا يحسنون المشي، ننصح بترك الحرية لهم وتفادي حصرهم في كرسي (“درج”) أو “المشاي” أو “البارك” فإن ذلك ينقص من حركتهم وينقص من مجهود عضلي مفيد ومساعد على حرق المزيد من الطبقات الشحمية الزائدة في أجسامهم
– فإذا أحسنوا المشي، وجب ترك المزيد من الحرية لهم وعدم حصرهم وتحديد مناطق تحركهم في غرفة ضيقة تخنق أنفاسهم وتحرم أجسادهم الغضة من فرصة التخلص من الزائد لديهم. ولا بد شيئا فشيئا من القيام معهم بجولات على القدمين في شوارع المدينة والمنتزهات والشطوط وغيرها تتوفر فيها عناصر المشي والجري واللعب بالكرة والسباحة والمسابقات المتنوعة المعتمدة على الحركة والنشاط المتدفق. وننصح بتجنب الركوب في السيارة أو القطار لأقصر مسافة بل التعود على السير على القدمين، ونفضل الدراجة العادية على الدراجة النارية للبدين.
– ويمكن أن ينخرط الطفل السمين في أحد النوادي الرياضية التي تستهويه أو أحد القاعات الرياضية حتى يقوم ببرنامج مدروس سواء للعبة أو للحركات البدنية تحت إشراف فنيين وبطريقة علمية.
وكل هذا يؤدي مع شيء من الحزم والمثابرة إلى نتائج باهرة.

د. جلال الدين رويس

facebook

اترك تعليق