اخترت لكم

أردت اليوم أن أشرّككم في مقال نوعي دقيق ومبسط ينشر الوعي ويعري الحقيقة حول تنظيم “داعش” كتبه بكل اقتدار الباحث التونسي المقيم بقطر الدكتور حسن بن حسن. ولم يمنعه وقوفه على الأرضية الإسلامية من إرشاد عامة الناس ولاسيما الأولياء لأساليب اصطياد ضحايا هذا التنظيم الخطير والمناقض للحركات الإسلامية الوسطية. ونشر هذا المقال يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأحسب أنّ بعضنا قد يكون مهددا بخطر هذا التنظيم بشكل أو بآخر،،، وبسط المعلومة حوله كفيل بتحصين أبنائنا وأسرنا وشعبنا من خطره الداهم. قراءة طيبة للجميع.  

 

دعاية داعش و طرقها في اصطياد ضحاياها

د. حسن بن حسن

مقدمة:
داعش كيان يلفه كثير من الغموض مرجعه ثلاثة أمور: أولها التناقض الكبير بين الوظائف الفعلية التي يؤديها و الشعارات التي يحشد مقاتليه حولها، و ثانيها قدراته اللوجستية الضخمة التي لا علاقة لها بقدرات فصائل المقاومة الشعبية و أساليبه الدعائية العالية الاحتراف في اصطياد ضحاياه و التي هي أقرب إلى عمل الأجهزة المخابراتية و الدعائية المتمكنة ، و ثالثها غموض قياداته الفعلية و قصة نشوئه و توسعه السريع.

قصة نشوء داعش و توسعها قد ظهرت منها الآن خيوط عديدة خاصة بعد الوثيقة و المعلومات التي نشرتها مجلة دير شبيغل الألمانية ، و مع ذلك فانه يعسر على الباحث جمع خيوطها بدقة لأن هناك حراسة إعلامية شديدة لهذا الغموض الذي لا تعلم خفاياه يقينا الا كبرى أجهزة المخابرات الدولية ، و مع ذلك فان الطريق لتحديد هوية هذا الكيان و تبديد الغموض الذي يلفه ليس مقطوعا تماما ، بل ان هناك مسالك على درجة عالية من اليقين تمكننا من تحديد حقيقة هذا الكيان ، منها انارة الوظائف الكبرى التي يؤديها و كيف تصنع فرائسه السهلة ( و قد تحدثنا عن ذلك في مقال سابق )، و منها أساليبه الدعائية وطرقه في اصطياد ضحاياه وهو ما سنبسطه في هذا المقال.

دعاية محترفة و شحن نفسي أقرب لطرق أبشع الأنظمة البوليسية:

سنعتمد في معرفة بعض طرق داعش في اصطياد ضحاياها على بحث ميداني أجراه فريق بحث جامعي فرنسي برئاسة أستاذة الأنتروبولوجيا دنيا بوزار حول ما يحدثه الخطاب الارهابي الجديد (خطاب داعش) في ضحاياه من الشباب من تحولات.

(Dounia Bouzar, Christophe Caupenne , Sulayman Valsan : La métamorphose opérée chez le jeune par les nouveaux discours terroristes)
يقول أصحاب الدراسة ان هذا العمل سيمكن العائلات من فهم علامات الانذار و اشارات الخطر الداعية للتدخل العاجل. اذا رأيت ابنك او ابنتك مثلا يتحدث كثيرا عن الماسونية و المنظمات السرية التي تحكم العالم ، لا تسارع الى اعتبارها علامة وعي ، تريث ، قد يكون بدأ الطريق الى داعش!
هذا البحث الميداني أجري على 160 عائلة فرنسية أصلية (10% منها فقط من أصول مهاجرة) استطاعت داعش افتكاك أبنائها و بناتها منها ، و قارئ هذا البحث لا يعسر عليه الخروج بخلاصة كبرى: أن هذه الدعاية محترفة و هي أقرب الى عمل الأجهزة المخاراتية المعقدة منها الى أساليب المقاومة و الجماعات المقاتلة و ذلك من وجوه عديدة:

– أن الصورة التي لدى كثير من الناس من ان داعش تستدرج ضحاياها عبر الاقناع بأفكار دينية متطرفة صورة ناقصة جدا و لا تمثل الا جزءا من المشهد ، داعش تستخدم ادوات بالغة الدهاء و التعقيد في غسل الأدمغة و الاستحواذ على ضحاياها ، ادوات تجعلنا نخرج بخلاصة واحدة : نحن ازاء عمل أجهزة مدربة تستثمر موارد متباعدة و متنوعة لصناعة ظاهرة ارهابية غير مسبوقة.

– أن هناك قدرة دعائية ، مادية و لوجستية على قلب مختلف عناصر الوعي الاحتجاجي المعاصر التي هي من حيث المبدئ أسلحة بيد قوى التغيير نحو عالم أفضل و استخدامها ضد هذه القوى نفسها و تحويلها الى سلاح فتاك ضدها.

– الشريحة المستهدفة لهذه الدعاية أسهل للاستدراج انطلاقا من خصائصها النفسية و العمرية المدروسة بدقة.
– هناك قدرة عالية على تفريد الدعاية (تخصيصها عند اللزوم بحسب الحاجة الفردية).
– أن هناك جهاز كامل من “صيادي الرؤوس chasseurs de tetes ” على الأنترنت يجوبون بروفيلات الشبان و الشابات على مواقع التواصل الاجتماعي و يصطادون ضحاياهم وفق معايير مدروسة و بحرفية عالية.

– ان الشحن و التعبئة و الانتداب و التحضير للسفر يتم عبر الأنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي و لا علاقة له بالمساجد.

– الاستثمار الاجرامي المدروس للخصائص النفسية لمرحلة المراهقة و لمظاهر القلق والرفض و التوتر النفسي للشباب و للوعي الاحتجاجي على المظالم التي يعج بها عصرنا.

– أن التطبيع مع الجريمة هو سلسلة من الانهيارات العقلية و الصدمات الشعورية و الاثارات الانفعالية و عمليات التقمص الاستيهامي لأدوار بطولية وهمية.

– أن التطبيع مع الجريمة مراحل متسلسلة مدروسة للتجريد من الدفاعات العقلية الذاتية و تحويل الضحية الى عجينة طيعة.

هذا التطبيع رحلة معقدة للاستلاب الفكري و التكييف العاطفي.

– أن اصطياد ضحاياهم لا يتم عبر الاقناع بأفكار دينية متطرفة كما يتوهم البعض ، القشرة الدينية لا تكون الا في آخر المطاف، دعايتهم تقوم على الأثر التراكمي للإثارة الانفعالية و الاستلاب العقلي الذي يقود الشخص شيئا فشيئا نحو ما يريدون ، هناك تعاقب مدروس للمراحل الدعائية يغمس الضحية تدريجيا في العالم الذي يريدون حتى يسيغ الهجرة و يصبح مستعدا للرحيل.

عملية اصطياد الضحايا مراحل متسلسلة من الشحن النفسي تفضي في النهاية إلى التجنيد الفعلي.
– أن هناك قدرة مخيفة على الاستثمار الإجرامي لإنتاجات سمعية بصرية توعوية متباعدة و مختلفة ومن إنتاج جهات متنوعة : ما تنتجه المنظمات المناهضة للعولمة ( les altermondialistes) من فيديوهات للتوعية ، الأشرطة الوثائقية حول الأغذية الضارة بالصحة (التخصيب الوراثي – الأسمدة – المواد المضافة) ، الفيديوهات التي تتحدث عن المنظمات الصهيونية السرية النافذة في العالم كالماسونية ،المظالم و العدوان الذي يتعرض له المسلمون في العالم الخ…

– آليات هذه الدعاية تقوم على قلب الوضعية النفسية لضحاياها الذين يعانون من أعراض نفسية مرضية ( كالاكتئاب و الاحباط و العزلة و الانهيارات العصبية…) و ايهامهم بأن احساسهم بالانبتات و اكتئابهم مرده أنهم مختلفين عن الآخرين لأنهم مصطفيين و مختارين لأدوار عظيمة ، و على تعميق العزلة والقطيعة مع المجتمع و الالحاق الشعوري بجماعة تعويضية افتراضية، و على صناعة وضعيات نفسية بارانوية (الاحساس بالاضطهاد و التهديد و الاقتناع بوجود عصابة خفية تسير العالم و بانتمائهم لنخبة المختارين لتحرير العالم) ، على التشبيك الافتراضي (reseautage) و الاندماج في مجموعات “مناضلة” على الشبكة العنكبوتية ، على اخماد العقل و التفكير و تجريم التساؤل و تعويض كل ذلك بقوة الاثارة الانفعالية و بالمحاكاة و الانصهار الجماعي الخ…

– هذه الدعاية القائمة على الاستثمار الاجرامي لعناصر الوعي الاحتجاجي المعاصر المتفرقة و على الأثر التراكمي للاستلاب العقلي و الشحن الانفعالي المفضي الى التطبيع مع الجريمة و استباحة كل الحرمات و على الاستخدام الاحترافي للوسائل السمعية البصرية و لشبكات التواصل الاجتماعي و على التحريف الديني القائم على صناعة سيكولوجية وهمية للاصطفاء و الخلاص ، و على الانتقاء الدقيق لضحاياها من مختلف أنحاء العالم ليست بالتأكيد دعاية أناس شعث غبر يقاتلون في الفيافي و لكنها دعاية اجهزة خبيرة تمتلك الامكانات المادية ، التقنية و المعرفية لصناعة الجريمة.

لننتقل نحو التفاصيل و لننظر عن قرب كيف تصطاد داعش ضحاياها.

كيف تصطاد داعش ضحاياها؟

1- الشريحة المستهدفة:

– تقول الدراسة التي انطلقنا منها أن 98% من دعاية الاستدراج و الإغواء في أوروبا تتم عن طريق الانترنت ( المساجد لا أهمية لها في إستراتيجيتهم)

– 90% من العائلات المستهدفة فرنسية أصلية و 10% فرنسية من أصول مهاجرة.
– 67% من العائلات من الطبقة المتوسطة و 17% ميسورة و 16% من الطبقات الشعبية.
– الفئة العمرية الأكثر استهدافا هي المراهقين و بداية الشباب أي من 15 الى 21 سنة (63%) ، تليها الشريحة العمرية من 21 الى 28 سنة (37%) و أما اكبر من 30 سنة فحالات نادرة جدا. هم يستثمرون الخصائص النفسية لمرحلة المراهقة و الشباب و يخاطبون فيهم جانب المثالية و الالتزام و أداء الأدوار البطولية و الرفض و التمرد… خطاب داعش عكس كل ما هو مألوف في الحركات الإرهابية يستهدف كل الطبقات الاجتماعية و المسلمين و غير المسلمين و يمكن أن يطيح بطالب في احد المعاهد العليا المرموقة أو ببطلة في السباحة في اوج نجاحها كما يقول أصحاب الدراسة! خطاب داعش و أسلوبها لا علاقة له بمألوف الحركات الدعوية ، انه كما أستنتج أسلوب أجهزة مدربة.

– 5% من الملتحقين بداعش من الشريحة المدروسة ارتكبوا جنحا بداية مراهقتهم.
– 40% عرفوا مختلف مظاهر المرض النفسي كالعزلة و الاكتئاب و الانهيار العصبي والإحباط…
الشريحة المستهدفة من داعش في العينة المدروسة تجمع في الغالب بين حداثة السن و المشاكل النفسية الناتجة عن الإحساس بالفراغ أو عن الحساسية النفسية المفرطة او عن صعوبات الاندماج في المجتمع.

2- قناصة على الانترنت يصطادون فرائسهم:

في الوصول إلى الفرائس الأسهل نحن أمام صيادين محترفين لفرائسهم يلتقطونهم من خلال كلمات مفاتيح او عبر ما ينشرونه في بروفايلاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي. الظلم، الحيف الاجتماعي، الاستغلال ، العدوان ، المؤامرة ،الاعتداء على البيئة الخ…كلها و غيرها كلمات مفاتيح يصطادون من خلالها ضحاياهم من الذكور، قد يعثر الضحية مثلا على فيديوهات تتحدث عن المؤامرة و منها يسجل في مجموعة فيسبوك تناضل ضد المؤامرة و حينها يظهر له شخص محدد يستدرجه و يحدثه عن القطيعة مع العالم و المواجهة معه و تخليصه و عن الجهاد العالمي ، و قد يتوج ذلك بلقاء على ارض الواقع…و أما الإناث فالقاسم المشترك بينهن هو أنهن يبدين رغبة على صفحاتهن في أداء خدمة إنسانية أو إغاثية (أريد أن اشتغل ممرضة لمساعدة الآخرين) أو تعليقهن صورا عن مشاركتهن في حملات إنسانية في مخيمات للاجئين أو في أماكن فقيرة ( مثلا صورة تحتها: أنا في بوركينافاسو العام الماضي) ، حينها يتصل بهن من يثمن التزامهن و عملهن من أجل عالم أكثر عدالة و يمكن أيضا أن يظهر لها صديق من نفس السن يمارس عليها الغواية أو اكبر سنا يمارس دور الإرشاد و النصح…

التشبيك او ربط الضحية بشبكة هو أسلوب عمل هؤلاء وهو الطريق الأكثر فاعلية للوصول إلى المراحل النهائية.

نحن هنا أشبه ما نكون بحالة تنويم مغناطيسي: ينغلق الولد أو البنت في غرفته لمشاهدة الفيديوهات و يقطع الصلة بمن حوله و لا يتحدث إلا عن هذه الفيديوهات مع أصدقائه الجدد.
الاتصال يتم أيضا عن طريق الرسائل الهاتفية القصيرة SMS (أمهات عثرن على هواتف بناتهن على سيل من الرسائل القصيرة من نفس الأرقام).

شهادات بعض الأمهات: “وجدت قائمة من المواقع التي يرتادها على قائمته المفضلة ، وجدت فيها الجمل التي يكررها حرفيا كلما حاورته آو سألته” ، ” في كتاب مطالعة وجدت ورقة مكتوب عليها تعليمات لكل ما عليها أن تفعل آو تتجنب ” ، ” يشاهد الفيديوهات بدون انقطاع وحين أسأله عن أي شيء يقول لي أن عنده فيديو يجيب عن سؤالي” ، ” كان في عالمه الخاص و لا يريد أن أدخله عليه و إذا خرج من مشاهدة الفيديوهات فلكي يتحدث مع مجموعته عما شاهده”…
يصطادون أيضا الذين يعانون من مشاكل الاكتئاب و العزلة و الانهيارات العصبية من المراهقين و عوض تشجيعهم على الاندماج الايجابي في بيئتهم يوهمونهم بأن إحساسهم بالانبتات و الإحباط مرده أنهم مختلفين عن الآخرين لأنهم مصطفين و مختارين لتخليص العالم.
3- سلسلة فيديوهات ذات اثر نفسي تراكمي:

دعايتهم على الانترنت تقوم على الأثر التراكمي لسلسلة مدروسة من الفيديوهات تغرس في الضحية الإحساس بالاضطهاد و التهديد و الاعتقاد بوجود عصابة خفية تسير العالم و تعمل – أي هذه الدعاية – على تغيير عام للشخصية يكون فيه الضحية أشبه بمن هو في حالة تخدير أو تنويم مغناطيسي. نحن هنا إزاء ثلاث سلاسل من الفيديوهات:

– سلسلة أولى تقنع الشاب بأنه يعيش في عالم مغشوش كاذب و فاسد، عالم غزاه الكذب والفساد. يبدؤون بعرض فيديوهات عن فساد الإنتاج العالمي من الأغذية و الأدوية و التطعيمات وعن دمار البيئة و الإشهاريات الكاذبة الخ…هذه الفيديوهات غير ضارة بذاتها بل انها جعلت للتوعية و لكن توظيفها ضمن سلاسل مدروسة لإحداث أثر تراكمي هو الخطر.

و رغم ان هذه المسائل معروفة إلا أنهم يكونون بها لدى الضحية إحساس اكتشاف الحقيقة الخفية للعالم. هذه الفيديوهات أنتجتها تيارات مناهضة للعولمة او صديقة للبيئة أو مدافعة عن الصحة و السلامة الإنسانيين غير أن الدواعش يستخدمونها تدريجيا كطريق يقود نحوهم.

– سلسلة ثانية من الفيديوهات تقنع الضحية بأن العالم تسيره منظمات سرية. 
حين يقتنع الشاب بأنه يعيش في عالم للزيف و الكذب تكون المرحلة التالية هي إقناعه بأن هذا الزيف ليس عرضيا و لا مجرد نزعة تجارية جشعة و لكنه فعل منظمات سرية قوية تدير العالم و تريد تخريبه و تهدف إلى استعباد الشعوب و قتلها البطيء عن طريق البطالة الجماعية و المواد السامة في الأغذية و الأدوية الضارة و التطعيمات القاتلة و صناعة الفيروسات و إلقاء النفايات المؤدية للعقم و الاضطرابات الفيزيولوجية الخ.. و على رأس هذه الجمعيات المتنورون illuminati والماسونية وهي جمعيات تهدف إلى اختراق كل حكومات العالم للسيطرة عليه. هذه الفيديوهات تهدف أيضا إلى إقناع الضحية بان الرموز الماسونية و رموز هذه المنظمات السرية (القبضة المغلقة التي يرتفع منها الإبهام و الإصبع تعبيرا عن قرني بعل – العين السرية للمثلث – النجمة السداسية – الخطوات الماسونية ال13 ..) مبثوثة في كل ما حولهم : في العروض التلفزيونية و الكليبات الموسيقية و الصروح المعمارية ، في شعارات الشركات التجارية و في ملصقات المواد الغذائية و في معمار مبنى الكابيتول الأمريكي و حديقته و في الدولار الأمريكي الجامع لكل تلك الرموز.

هذه الفيديوهات تضفي مسحة خيالية عجائبية على وقائع فعلية أحيانا و تجعل المراهق أو الشاب يرى القوى الشيطانية تحيط به من كل جانب و توشك على تدمير العالم و تفقده أي حس عملي معقول و تجعله لا يرى أي شيء الا حلا واحدا: المعركة النهائية مع قوى الشر.
– سلسلة ثالثة من الفيديوهات تعمل على إيهام الشاب بان المواجهة النهائية للعالم المزيف والمنظمات السرية المتحكمة به تحت راية الإسلام الحقيقي هي التي يمكن ان تنقذ العالم من الدمار و ان هذه المنظمات السرية تستهدف الإسلام لأنه القوة الوحيدة القادرة على مواجهتها.
هذه السلسلة الأخيرة من الفيديوهات تصبح مطلوبة و مساغة بعد الأثر التراكمي لما سبقها و هي تبدؤ بفيديوهات عن عظمة خلق الله و عجائب صنعه و بأخرى عن مهتدين يروون القصص المؤثرة لتحولهم للإسلام وبحوارات مع علماء تشهد للإيمان و أقوال تاريخية تشهد لنبي الإسلام…كل هذا يوظف توظيفا شيطانيا ليفضي في النهاية إلى استباحة دماء الأبرياء و صنع آلات عمياء للقتل.

هذه الفيديوهات الهادئة والرقيقة خطوة نحو المرحلة الحاسمة أي نحو مقاطع داعشية صرفة تزعزع الاستقرار النفسي و تدمره و تمزج بين الرعب و التأثير ، بين استجاشة العواطف والصدمات النفسية و تستخدم أحدث التقنيات الصوتية و البصرية كالصور الخاطفة المخلفة لانطباعات لاواعية قوية les images subliminales و كأخذ مقاطع سريعة من أفلام هوليودية شهيرة و إدماجها في أشرطتهم ( كأفلام the aarivals : aux sources de la conspiration أو فيلم the signs أو le seigneurs des anneaux ) كما يستخدمون بعض ألعاب الفيديو كلعبة عقيدة المجرم assasins creed حيث يدخل المراهق في حرب ضروس وحشية افتراضية و لعبية تمهيدا لتحويلها إلى حرب فعلية.
4- القطيعة العائلية و المجتمعية والانفراد بالضحية:

– الشحن النفسي ينبغي أن يعقبه تطبيق عملي يبدأ بالقطيعة العائلية والاجتماعية.
– حتى تكون سلطة المجموعة على الضحية كاملة ينبغي إحلالها مكان سلطة العائلة ، و القطيعة العائلية تكون من الحدة بدرجة يتعذر معها مواصلة العيش معا (أحيانا يوجهونهم نحو العكس أي ممارسة التقية و إخفاء نواياهم حتى آخر المطاف أي السفر إلى سوريا أو العراق وهو ما يعبر على قدرة هذا التنظيم على تفريد دعايته بحسب الحالات المختلفة).
– عندهم وسائل فعالة لإحداث القطيعة مع العائلة و الاستفراد الكامل بالضحية منها حثه على منع أي عطور في البيت لاحتوائها على الكحول و فرض المسك و العطور الدهنية على عائلته ، ومنها تمزيق و كسر كل الصور و اللوحات في البيت.

الغذاء أيضا وسيلة لإحداث القطيعة عن طريق تحريم عدد هائل من الأطعمة بدعوى احتوائها على شحم الخنزير، يصبح الأكل مع العائلة مستحيلا. شهادة إحدى الأمهات ” كل صباح يرسلون له قائمة محينة من الأغذية المحرمة: شكلاطة ، خبز، مرطبات ، بيتزا، أنواع المثلجات و الكريمة ، سندويتشات ، ياغرت ، مشروبات وعصائر، قائمة من أطباق المطاعم وأكثر من 140 اسم لمادة مضافة لأغذية في السوق. لم نعد نستطيع الذهاب للسينما لأنها حرام ولا للمطاعم لأن الأكل بها مشبوه ولا لعب الرياضة في الحدائق لأنها مختلطة ولا مشاهدة التلفزيون لأنه أداة الشيطان….”.

– تدريجيا يشعر الوالدين بان ابنهم أو ابنتهم افتك منهم. تجريد الوالدين من سلطتهم وشرعيتهم أحد أهداف داعش. القطيعة أيضا تطال البنت و أمها، و البنت عادة تمر إلى البحث عن الزواج ” أبحث عن محرم لتعويض أبي لأنه ليس مسلما”.

5- فسخ الهويات الفردية لصالح الذوبان في المجموعة:

– لمحو الهويات الفردية يقوم الدواعش بتوحيد و تنميط اللباس و المظهر و هذا التنميط يعمق الفوارق بالمقابل مع الآخرين. محو الفوارق الذوقية و اختيارات اللباس هو احد أدوات محو الهويات الفردية.

– محو الهوية أيضا يتخذ شكل تغيير الاسم و تكنية الضحية بـ “أبو ..” حتى لو لم يكن متزوجا ولا أبا. تغيير الاسم فعل رمزي يعبر عن محو كل الماضي ويعلن تغيير الحياة الشخصية والانتماء الجديد. بعض هؤلاء كان منحرفا أو مكتئبا وإعادة التسمية قطع مع كل ما كان يكره من حياته. تغيير الاسم أيضا عبور رمزي نحو الرشد وعالم الكبار وهو التعبير عن التقدير والاحترام.
– المظهر الخارجي الجديد ( اللباس – الحزام – اللحية – الكلاشنكوف – الراية السوداء) يمنح حياتهم الفارغة معنى ويترافق مع حرق الهوية السابقة وتغيير الاسم وانتحال هوية جديدة.
– سفر هؤلاء إلى سوريا هو نوع من سفر الاعتماد حيث سيتوالى أخذهم ونشرهم للصور المعبرة عن تحولهم إلى حال جديد (في ميدان القتال ، في الحراسة ، قرب الآليات المدمرة ، عند قتل ضحاياهم..)، وعند التقائهم بالمقاتلين الآخرين يحسون بأنفسهم أقوى واكبر وأقسى.
6- السؤال ممنوع : إخماد العقل و الانصهار في المجموعة:

– في مرحلة الدعاية و حين يكون للضحية بقية من عقل من الطبيعي أن يسال مؤطريه أسئلة كثيرة ، هؤلاء لا يجيبون و لكنهم يلعبون على أوتار الحساسية النفسية الوهمية التي يصنعونها في الضحية ، إذا طرح عليهم أحد الضحايا سؤال من يريد أن يفهم يكون الجواب دائما أن ظنهم فيه يكاد يخيب لأنهم كانوا يظنون انه من المصطفين و المختارين و لكنه لا يبدو كذلك!! إذا كنت من المختارين فعليك أن تفهم وحدك بدون أن تطرح أسئلة!

– الإستراتيجية الدعائية لداعش تقوم على الإثارة القصوى للانفعالات و الإخماد الأقصى للعقل وعلى إستراتيجية الإيهام و تقمص الأدوار البطولية الوهمية التي تخول ارتكاب أبشع الفظاعات.

– العقل يعوض بالمحاكاة و الانصهار الكامل في المجموعة و محو الهويات الفردية و ذلك كله شرط الخضوع الكامل و الإقدام على الجريمة بقلب جامد.

– الفرد هنا لا يفكر ولكنه يحاكي المجموعة و يكرر حركاتها و أقوالها بكيفية آلية. الذين يذهبون إلى سوريا و يتصلون بعائلاتهم يرددون جميعا نفس العبارات: ” كل شيء هنا متوفر وجيد، مكاني هنا ، الله اختارني لأكون هنا …” ، إضافة لترديد عبارات لا يفقهونها وإذا خرج أحدهم عن السياق يقع قطع المكالمة.

7- التطبيع الفعلي مع الجريمة و قطع خط الرجعة:

أغلب الذين يذهبون إلى سوريا يذهبون و هم يظنون أنهم سيقاتلون نظام الأسد المجرم و سيثأر ون لضحايا الوحشية و الهمجية من النساء الحرائر و الأطفال و الأبرياء و حين يصلون هناك يفاجئون بأنهم يقاتلون فصائل المقاومة و يقتلون الأبرياء و لكن بعد فوات الأوان.
– عند وصولهم إلى داعش تنظم لهم لقاءات احتفالية لحرق جوازاتهم للتعبير عن قطعهم النهائي مع ماضيهم و للتعبير عن الانتماء الجديد : “شعب داعش” شعب عالمي من كل الأجناس يجتمع حول الفظاعة والقسوة والرعب لأجل إنقاذ العالم!

– بعد وصولهم يتعرضون لدورات تكوينية مكثفة تقنعهم بأن قتال المسلمين المرتدين عبدة الطاغوت أولى من قتال الكفار وبأن الطريق إلى تحرير العالم يمر عبر تصفية الخونة والمرتدين! 
– بعد ذلك و لكي يثبت الوافد الجديد انه من فئة الصناديد و الأسود يقدمون له احد الأسرى لقتله بسلاح ناري من بعيد ثم في مرحلة لاحقة يمر إلى الذبح و بذلك يكون قطع خط الرجعة نهائيا.
– داعش لا تتردد في صلب مقاتليها و التشنيع في قتلهم إذا خالفوا الأوامر حتى يكونوا عبرة لغيرهم و لا يفكر احد في العصيان.

– التطبيع الفعلي مع الجريمة يسبقه تطبيع نفسي طويل في كل مراحل الدعاية السابقة ، سواء بترسيخ سيكولوجية المؤامرة أو بتقمص الدور الاستلهامي لمخلصي العالم من الأشرار أو بإباحة دماء الأبرياء من المسلمين و غيرهم أو بالتعويد على مناظر الفظاعة الدموية وعلى غرس مشاعر الاستخفاف بالموت.

Hassen Ben Hassen

31 mars, 14:34 ·

facebook

اترك تعليق