الكلمة الانتخابية 19 أكتوبر 2014

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة والأخوات
يا أحرار وحرائر معتمدية مساكن الكرام
إخواني أخواتي أعضاء القائمة الانتخابية لدائرة سوسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فاسمحوا لي أن أتكلم باسم أهالي معتمدية مساكن الذي جاؤوا من كل فج عميق، من مدينة مساكن ومن أحوازها: من الجبليين والغربيين والتوارة والقبليين والجديديين وجنان حواس والحي الجديد وحي النور وحي ابن خلدون وغيرها من المناطق بالمدينة… ومن المسعدين والكنايس وبني ربيعة والبرجين وبني كلثوم والموردين والفرادة… ومن غيرها من الربوع الذي يضيق المجال بتعدادها جميعا. اسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب من جديد شديد الترحاب بأعضاء القائمة الانتخابية لحزب حركة النهضة بدائرة سوسة، في مدينتهم مساكن.
مساكن هذه قلعة للنضال، وللثورة، وللممانعة على مدار التاريخ… يعرف ذلك عنا القاصي والداني في بلادنا العزيزة تونس… ويحق لنا أن نفاخر بذلك ونفتخر… وأنا شخصيا معتز أيما اعتزاز بانتمائي لهذه الربوع الغالية…
                                                                                    *****
مساكن كانت لها القيادة في كتلة الساحل الثائرة على الباي سنة 1864 في إطار ثورة علي بن غذاهم الشهيرة، وكان لها صولات وجولات فيها… وقد دفعت الثمن غاليا وقتها حين حكم على القائد الثائر الدهماني البوجي وأحد أبرز معاونيه محمد بن حفصية بالإعدام شنقا، وهو ما وقع تنفيذه فعلا يوم 16 أكتوبر 1864 بباب البحر بسوسة، كما سلط الباي جيشه بقيادة أحمد زروق على المدينة فنكل بأهلها وحرث دورها وسلبها أموالها واعتدى على رجالها…
                                                                          *****
طيلة الفترة الاستعمارية، شاركت مساكن بحماس وحيوية في الحركة الوطنية. ولأن الطابع الغالب عليها التدين والمحافظة فقد انحازت في أغلبها إلى الحزب الحر الدستوري القديم. وعند حصول البلاد على الاستقلال الداخلي، عارض جانب كبير من الشعب التونسي تلك الاتفاقيات واعتبروها خطوة للوراء. وكانت مساكن في أغلبها على هذا الرأي. وكان من أبرز الزعماء الذين تصدوا لهذا المسار الشهيد المرحوم عبد الكريم قمحة الزيتوني، والقيادي البارز في لجنة صوت الطالب الزيتوني، والذي اختار الانضمام للجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري القديم ومواجهة الديوان السياسي بقيادة الزعيم بورقيبة. وقد دفع ثمن زعامته هذه حياته، حيث اغتالته أياد آثمة في مدينته وفي شارعه في شهر رمضان / ماي سنة 1955، عن سن تناهز 31 سنة، في حادثة شهيرة تناقلتها كل وسائل الإعلام وقتها حتى الأجنبية منها. والغريب أن الثورة لم تنصف هذا الزعيم ولم يقع إرجاع الاعتبار له بعدُ، رغم وضوح المسألة وتواتر خبرها في مساكن. قارن بالشهيد الأزهر الشرايطي الذي أعدم في إطار تهمة انقلاب عسكري على بورقيبة، والذي أعيد له الاعتبار بعد الثورة وأطلق اسمه على أحد الشوارع بمدينة قفصة، فلم لا يقع الأمر نفسه مع الشهيد عبد الكريم قمحة؟؟.
                                                                          *****
تظهر الممانعة أيضا لهذا البلد الطيب في المرحلة الاستعمارية بانخراط طائفة من شبابها في المقاومة المسلحة… ولنا مقاومون أبطال، وشهداء تفخر بهم جهتنا ونحيي أرواحهم الطاهرة في هذه المناسبة… ولكن أيضا كانت الممانعة ببعث جملة من الجمعيات في وقت منع النشاطات السياسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومن أهمها جمعية “الهلال الرياضي بمساكن” التي أسسها جملة من الوطنيين لملء فراغ الساحة من هيكل يواصل تأطير الشباب واحتضانهم، فهي جمعية وطنية مناضلة لها تاريخ مشرف وأياد بيضاء على طائفة كبيرة من أهالي مساكن… ومنها أيضا “الجمعية الخيرية” التي ترجمت استعداد أهالي هذه المنطقة لفعل الخير والتضامن بينهم وهو متواصل فيهم إلى اليوم، و”الاتحاد الثقافي بمساكن” التي كونت المكتبة العمومية بمساكن ونوعت النشاط الثقافي بمساكن الذي تواصل حتى بعد الاستقلال… هذه هي محبة البلاد … فعل ونتائج ومش كلام …
                                                                          *****
ومن أكبر محطات الممانعة لمساكن كانت في أواخر تجربة التعاضد الإجباري الذي فرضه بورقيبة على البلاد التونسية في الستينات. وقد تظاهر المئات من الفلاحة وأصحاب الأملاك أمام المعتمدية للاعتراض على مصادرة الأملاك وضمها قسرا في تعاضديات فلاحية. وكان ذلك بالتزامن مع الوردانين التي سقط فيها شهداء. فأعقب ذلك ما يزيد عن 200 اعتقال من بينهم مقاومون (مثلا الحاج علي قرع)، وكذلك الزيتونيون (أمثال الشيخ محمد موة، والشيخ صالح البهلول رحمه الله) وكذلك مسيسون من كل التيارات القومية واليسارية… ولكن أيضا من الدساترة من أصحاب المسؤوليات وقتها في الحزب الحاكم. وكانت الصدمة قوية على بورقيبة، حسب تصريحاته فيما بعد، بأن يخرج عليه أنصاره في كل من مساكن والوردانين وهم من أشد المخلصين له وقت الاستعمار ودولة الاستقلال الأولى حتى سقطت الضحايا، فقرر أن يوقف التجربة بأكملها، واعتقل مهندسها أحمد بن صالح وحاكمه، وغير منوال التنمية تغييرا جذريا. وكان لمساكن السبق والريادة في هذا التغيير الهام في تاريخ تونس.
                                                                      *****
من أمثلة الممانعة أيضا وقت الحكم البورقيبي الامتناع عن تطبيق أوامر بورقيبة في فطر شهر رمضان، من أغلبية المسؤولين، حتى من رئيس البلدية وقتها وأعضاء الشعب الدستورية… والاستجابة كانت قليلة، حتى أنهم ينعتون إلى الآن بالإصبع.
                                                                    *****
ومن الممانعة أيضا تمسك أهالينا في مساكن بتدينهم، وإقبالهم على المساجد تشييدا وتعميرا، وعلى القرآن حفظا وتعليما حتى في أشد الظروف، وتمسك النسوة بحجابهن ولباسهن الساتر، ومواصلتهن للنشاط الاجتماعي وحتى الاقتصادي والوظيفي رغم التضييقات… والكل يعلم في هذه الربوع الدور الريادي للمرأة التي اعتنت بتربية أبنائها واستمرار تماسك الأسر في غياب الزوج بالمهجر أو في الشغل خارج مساكن أو لما دخل البعض السجن أو أجبر على الهجرة القسرية أو الاختفاء… دور المرأة هنا ريادي وطليعي ولا يزايد علينا فيه أحد، فتحية منا من الأعماق لأمهاتنا وأخواتنا ونسائنا جميعا، وشكرا لكن جميعا من الأعماق على كل ما بذلتموه وتبذلونه من جهود لفائدة أسركن والمجموعة الوطنية… YouTube Preview Image
                                                                  *****
ومن مظاهر الممانعة الهامة التي برزت في مساكن كانت في مناسبات انتخابية من خلال التعبير عن الموقف عبر الصندوق الانتخابي. فما كان خافيا علنيا تفاديا لكل صدام مع السلطة الاستبدادية، برز ذلك في نتائج تلك الاستحقاقات الانتخابية:
– سنة 1981، وحين نظمت انتخابات تعددية لأول مرة في تاريخ تونس، صوتت مساكن بأغلبية ساحقة لقائمة الاشتراكيين الديمقراطيين، ولكن النظام زور النتيجة. وللتاريخ لا بد من التنويه بأن الاسلاميين قد صوتوا لفائدة القائمة الخضراء بتعليمات صريحة من القيادة وقتها.
– سنة 1989، صوتت مساكن بأغلبية كبيرة للقائمة المستقلة بسوسة، والتي كانت مدعومة من حركة النهضة التي لم تتحصل وقتها على الترخيص القانوني، والذي ترأسها وقتها أحد أبناء المدينة، ولكن النظام النوفمبري زوّر النتائج حتى لا يتمكن أي من المعارضين من الصعود للبرلمان. ولكنه لم يتمكن من تزوير كل النتائج، فجاء فوز القائمة بـ 80 بالمائة من الأصوات في المسعدين وبأكثر من 60 بالمائة بمساكن المدينة…وقد نتج عن ذلك عقاب جماعي لمساكن فحرمت من كل تنمية أو عناية أو توظيف لأبنائها في المناصب العليا للدولة وحتى في هياكل الحزب الحاكم نفسه التي أقصي منها المساكنيون، زيادة على ما دخلت فيه البلاد ككل من محنة التسعينات لحركة النهضة والمناصرين لها، والتي أسفرت عن سقوط أحد أبناء هذه المدينة الشهيد صلاح الدين باباي برصاص قناص خلال مظاهرة بمدينة صفاقس أين كان يدرس في جامعتها، وعن سجن لفيف كبير من خيرة أبنائها وتغريب عدد كبير منهم بالخارج. وتلك هي دائما نتيجة الممانعة… ثبت الله أجر الجميع.
– بعد الثورة، وفي الاستحقاق الانتخابي الأول، يوم 23 أكتوبر 2011، صوتت مساكن لفائدة قائمة “حزب حركة النهضة” بأغلبية فاقت الـ 50 بالمائة، كأحسن نسبة في ولاية سوسة، وكثاني أحسن نسبة بالجمهورية ككل. فكان ترجمانا منها عن مناصرتها للثورة وطليعتها حركة النهضة التي لا يخلو بيت ولا مكان من أحد أبنائها أو بناتها الذين خبروهم طيلة سنوات الجمر وأثناء الثورة وبعدها.
والذي نلاحظه أنه كلما ترك الأمر للإدارة الشعبية إلا وكان أهل مساكن وما جاورها في الموعد، واختاروا الطرف الأكثر نزاهة ونظافة ومصداقية ومحبة للوطن وخدمة للصالح العام… وما تكرار الأمر إلا دليل على أصالة حقيقية لهذا الموقف وعدم تأثره بالمغريات والترهيب والترغيب…
                                                                            *****
وكان لمساكن أيضا انخراط بديهي وسريع في الثورة أواخر 2010 وأوائل 2011، بحيث تعددت المظاهرات، وسقط منها الشهداء (محمد الهادي العمروني، رؤوف فحيمة، محمد براهم، ياسين بوقديدة) والعديد من الجرحى… فالدعاء بالرحمة على الشهداء دائمة، والدعاء بالشفاء والصحة والسلامة لكل الجرحى موصولة… واعتراف لهم جميعا بالجميل والأيادي البيضاء على الوطن، وحقهم علينا الذكر الحسن والرعاية والعناية… ولا بد أنكم تتذكرون جميعا مبادرة شباب مساكن وأهاليها في حماية مدينتهم ببعث لجان أحياء للحراسة والرعاية، وكان لمدينتنا السبق في هذا المجال، والذي نسج على منوالنا فيها في كامل أرجاء البلاد… وهذا أيضا من مظاهر الممانعة والإبداع…
                                                                              *****
معتمدية مساكن، إخواني أخواتي، دفعت ثمنا غاليا لمواقفها هذه، فهي تجد نفسها في كل مرة في مواجهة السلطة الحاكمة المستبدة الظالمة… كانت تعتبر دائما خارجة عن الصف… مما جعلها تدفع الثمن غاليا… فقد سقط فيها الشهداء، وسجن منها الكثيرون، وحرم الكثير من أبنائها من التوظيف وضُيّق على الكثيرين منهم في أرزاقهم، وحرمت من برامج التنمية الحكومية ولم تحصل إلا على الفتات، مما دفع أبناءها للتعويل على أنفسهم ومجهوداتهم الخاصة… فتحية كبرى لهم جميعا، هؤلاء الذين اجتهدوا في طلب العلم فكان لهم الأعداد الكبيرة من المتخرجين والمتفوقين في كل مجال (معلمون، أساتذة، أساتذة جامعيون، أطباء، محامون، قضاة، مهندسون، كبار الموظفين…) بحيث لا تخلو إدارة ولا مؤسسة في كافة أرجاء البلاد من أبناء هذه الربوع الطيبة… وطلب العلم ليس جديدا في مساكن، بل هو متوارث كابرا عن كابر: فالشيخ علي بن خليفة أسس مدرسة سنة 1693 تعلم فيها وتخرج منها المئات من كل مكان، وردا على المدرسة التي أسستها فرنسا سنة 1928 بمساكن أُسّست المدرسة القرآنية سنة 1929، كما بعث الفرع الزيتوني بمساكن سنة 1948… ولا يخلو بيت من طالب علم في مساكن منذ الزمن الأول ووقت الاستعمار… وهذا يفسر ارتفاع الوعي والتمسك بالهوية وطابع المحافظة الذي عليه مساكن…
ولا بد من التنويه بهؤلاء الذين بعثوا بمجهوداتهم الذاتية مشاريع اقتصادية هامة (مصانع، مقاولات، ورشات، محلات تجارية الخ…) ساهت في تنشيط الحركة الاقتصادية في الجهة وتشغيل الآلاف من الموظفين والعملة… فلهم منا جميعا تحية كبيرة على شجاعتهم وإقدامهم وتضحياتهم ومشاركتهم في تنمية الجهة…
وأولئك الذين فارقوا الديار وذهبوا للمهجر يبتغون الرزق، ورفضوا الاستسلام لصعوبة التشغيل في بلادهم، ورفضوا أن يبقوا عاطلين متسكعين في الشوارع وبين المقاهي كما هو الحال في الكثير من الأماكن الأخرى في بلادنا… وعادة ما كان ذهابهم للمهاجر في أطر قانونية، فليس في بلادنا “حرڤة”، ولا مغامرات غير شرعية…
وفي مساكن أيضا فلاحون كبار، توارثوا فلاحتهم أبا عن جدّ، وبخلاف الكثير من المناطق، انصرف جزء كبير من شباب جهتنا للفلاحة استثمارا واستغلالا وتعصيرا…وهو ما يستحقون عليه التحية والتشجيع.
وفي كل ما ذكرنا في مساكن نشاط كبير وجدّ وإقبال على العمل وهمة عالية…
لذلك فإننا نريد لكل هؤلاء الإعانة والمرافقة من الدولة والتسهيلات الضرورية:
• نريد لشبابنا فتح آفاق التشغيل، وخاصة لأصحاب الشهائد، بحيث يمكّنوا من حقهم الطبيعي في العمل والتوظيف، وتجاوز مخلفات الإقصاء والتهميش التي طالما عانينا منها للممانعة التي أشرنا إليها في بداية الحديث.
• نريد لرجال أعمالنا المزيد من الإعانة والتعاون وفتح المجالات أمامهم وتمتيعهم بالحوافز الضرورية لتنمية نشاطهم.
• نريد لمهاجرينا المعاملة الحسنة عند عودتهم وأثناء عطلتهم بيننا، والمرافقة في أماكن عملهم، وكذلك فتح المجالات لهم للاستثمار وخلق الثورة في البلاد…
• نريد لفلاحينا التشجيع والحماية من الاعتداء والسرقة والتضييقات… (إشارة لمشكلة سيدي الهاني).
• نريد لنساءها المزيد من التبجيل والحظوة والتقدير والشكر على ما يبذلنه من مجهودات لفائدة أسرهن والمجموعة الوطنية ككل.
                                                                       *****
إخواني أخواتي

YouTube Preview Image
مساكن كانت دائما مع الموعد في التاريخ مع الحق وأصحاب الحق، وضد الطغيان والاستبداد والفساد… وهي ستكون إن شاء الله تعالى كذلك في هذه المناسبة الانتخابية الهامة… سوف تكون في خط الممانعة مرة أخرى ضد قوى الثورة المضادة، وضد الطامعين في السلطة الذين يبتغون الرجوع بنا إلى العهود السابقة بما فيها من ظلم واستبداد وفساد…ولن يمروا بحول الله… سيفوض أهل ربوع معتمدية مساكن المناضلة -مرة أخرى- لهذه الوجوه النيرة من أبناء حركة النهضة الكرام، للدفاع عنها وعن أبنائها، وخدمتها… لأن حب تونس… حب مساكن… مش كلام وإنما فعل وإنجاز واحترام…

إخواني أخواتي
أترككم الآن مع قائمة دائرة سوسة التي تعرفكم وتعرفونها… ولكن اسمحوا لي أن أقدمهم لكم في عجالة. تتكون هذه القائمة بداية من المرتبة العاشرة:
– أمينة العلوي (سوسة سيدي الحميد)
– كمال القزاح (القلعة الصغرى)
– منى بوبكر الفرجاني (بوفيشة)
– فوزي المهيري (حمام سوسة)
– عفيفة مخلوف (سوسة المدينة)
– زبير الخشتالي (القلعة الكبرى)
– وفاء عطية (النفيضة)
– العجمي الوريمي (أكودة/شط مريم)
– منية ابراهيم (سوسة/حي الزهور)
– زياد العذاري (مساكن)
مرحبا بكم بيننا، قلوبنا معكم ومساكن كلها تحتضنكم وتهفو لسماعكم، فلكم الكلمة.
وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مساكن، ساحة الحرية، 19 أكتوبر 2014، الساعة الثالثة، في إطار الاجتماع العام بمناسبة الحملة الانتخابية التشريعية (26 أكتوبر 2014)

النص الكامل للخطاب الذي ألقاه د. جلال الدين رويس

facebook

اترك تعليق