القيلولة: فوائد علمية مؤكدة … لسنة نبوية منسية

القيلولة:  فوائد علمية مؤكدة … لسنّة نبويّة منسيّة

تقدم موسوعة ويكيبيديا الالكترونية القيلولة بأنها “وقفة قصيرة في مسير الحياة اليومية، ومحطة عابرة في صلب زحمتها وصخبها، أو قيظ حرّها وسكونها. فترة يخلد فيها الإنسان إلى السكينة للاسترخاء والاستراحة، أو للتأمل والتفكير، أو لتفريغ شحنات الهواجس والقلق. وقد ظلت العديد من بلدان الشمال المصنعة تعتبر القيلولة مؤشرا على الكسل والخمول ودرجة الصفر في الكفاءة. لكنها أصبحت، في السنين الأخيرة، تقتنع بفوائدها وأهمية اعتمادها في مجتمعاتها. ولعل القيلولة من أبرز ما ستأخذه بلدان الشمال عن بلدان الجنوب في إطار العولمة”.

لغويا

القَيْلُولة هي نَوْمةُ قصيرة في نِصْف النهار ، أو إستراحة و إسترخاء لبعض الوقت في نصفَ النهار و إِن لم يكن معها نَوْمٌ ، و الهدف منها طرد الكسل واستعادة النشاط و الحيوية لمتابعة العمل .

في لسان العرب لابن منظور: القَيْلُولة : نَوْمَةُ نِصْف النهار ، و هي القائلةُ ، قال يَقِيلُ ، و قد قال القوم قَيْلاً و قائلةً و قَيْلولةً و مَقالاً و مَقِيلاً ” .

و فيه أيضا : ” و المَقِيل و القَيْلولة : الاستراحة نصفَ النهار و إِن لم يكن معها نَوْمٌ ، يقال : قال يَقِيل قَيْلولة ، فهو قائِل ” .انتهى.

والقيلولة هي: النوم نصف النهار، قال الفيومي في المصباح المنير: قال يقيل قيلاً وقيلولة: نام نصف النهار، والقائلة وقت القيلولة. انتهى.

وقال الصنعاني في سبل السلام: المقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم. انتهى.

اصطلاحا

يطلق مصطلح القيلولة عادة على النوم في فترة الظهر والعصر، وتتسم القيلولة بقصر مدتها على عكس النوم في الليل.

وجاء في موسوعة ويكيبيديا: ” القائلة، الظهيرة، والقيلولة: نومة نصف النهار، والنوم في الظهيرة، وقال الأزهري: القيلولة والمقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم بدليل قول القرآن: “أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا” والجنة لا نوم فيها. كما يقال لها الغائرة والتغوير، وأصلها غار النهار: أي اشتد حره. ومن ذلك قولهم: غوروا ساعة ثم ثوروا. وأصل لفظة “لاسييست”، التي تعني القيلولة باللاتينية، هو “سيكستا هورا” التي تعني بالإسبانية الساعة السادسة (من التوقيت اليومي القديم) أو ساعة الشيطان كما كان يطلق عليها.”

القيلولة جزء من الإيقاع البيولوجي

ويرى العلماء أن القيلولة تلبية لحاجة فيزيولوجية بالنسبة للطفل إلى حدود سن الرابعة، وتبقى بعد ذلك، جزء من إيقاعنا البيولوجي. ولعلّها كذلك، غريزة حيوانية، فمعظم الحيوانات تلجأ إلى القيلولة، وتوقف نشاطاتها في منتصف النهار، خاصة ما بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة بعد الظهر. ويلجأ إلى القيلولة، عادة، للاستراحة وتجنب الحر، أو للهضم بعد الأكل، أو للراحة بعد النشاط الجسمي والذهني المكثف في الصباح، أو للتعويض عن الحرمان من النوم ليلاً، دون أن ننسى، طبعاً، دافع الكسل والخمول.

والقيلولة تختلف عن النوم بالليل، ولا تؤثر فيه إذا كانت متوسطة أو ومضة. فإذا كان النوم يجدد وينشط ويحافظ على خلايا الجسم والدماغ، فإن القيلولة تساهم في إراحة الدماغ والاسترخاء البدني والعضلي، وتعزيز قدرة الإدراك والتلقي. وقد أكد العلماء أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار، لمدة نصف ساعة، تلغي تأثير التعب وتعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم. كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوة قصيرة، أثناء العمل، يجدد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين، ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل. كما تساهم القيلولة في التخلص من الجزع والقلق.

القيلولة في الدراسات العلمية الحديثة

وقد أتى العلم الحديث ليؤكد فوائد القيلولة في زيادة إنتاجية الفرد ، ويحسن قدرته على متابعة نشاطه اليومي .

فقد أجريت دراسة في مركز النوم والمعرفة التابع لجامعة هارفارد وأفادت أن نوم القيلولة التي تدوم 45 دقيقة على أكثر تقدير أثناء النهار قد تساعد في تحسين مستوى الذاكرة واسترجاع المعلومات، طالما أن هذه المعلومات قد تم تعلمها بشكل جيد قبل النوم. ويسمى هذا النوع من الذاكرة بالذاكرة التقريرية وتنطبق على المعلومات النظرية، على عكس الذاكرة الإجرائية التي تنطبق على اكتساب المهارات العملية. وقال التقرير ان النوم يساعد في تثبيت المعلومات النظرية وجعل استرجاعها أسهل، وفقاً للباحثين وأجريت الدراسة على 33 شخصاً، تم تدريبهم في مجال الذاكرة التقريرية . وبعد التدريب أخذ 16 منهم قيلولة لا تصل إلى مرحلة “النوم ذات حركة العين السريعة”، بينما بقي الـ17 الآخرين أيقاظاً يشاهدون فيلماً. وقد أجري اختبار على جميع المشاركين في وقت لاحق من اليوم نفسه، وقد شمل الاختبار حفظ المفردات وحفظ الطرق الملتوية وحفظ الرسومات التي تشمل خطوطاً معقدة. وقد وجد فريق البحث أن أخذ قيلولة تؤدي إلى تحسين أداء الذاكرة مقارنة بالبقاء يقظة.

و تقول الدراسة: ” ان القيلولة تعزز الذاكرة و التركيز و تفسح المجال امام دورات جديدة من النشاط الدماغي في نمط اكثر ارتياحا ، كما تشدد على عدم الاطالة في القيلولة لان الراحة المفرطة قد تؤثر على نمط النوم العادي ” .

أفضل وقت لأخذ قيلولة:

اتفق الباحثون على أن أفضل وقت هو من الساعة الواحدة ظهراً إلى الساعة الرابعة عصراً، وهي الفترة التي ينخفض فيها النشاط الفكري والجسمي للإنسان، وأكدوا أن النوم بعد الساعة الرابعة يسبب خمولا وصداعا في الرأس، إضافة لاضطراب في الساعة البيولوجية في الجسم المسؤولة عن تنظيم النوم.

أين تأخذ القيلولة:

يمكنك ذلك على الأريكة أو على المكتب أو في كرسي السيارة، ويفضل الإنحاء للخلف أو التمدد بشكل غير تام لكي لا تغط في النوم لمدة طويلة. والأفضل أن يكون الفرد ممددا على أريكة بدلا من السرير، لضمان عدم الغوص في نوم طويل.

مدة القيلولة:

تختلف مدة القيلولة في كل مرة، فلنتعرف على خصائص كل مدة:

5 دقائق: وتعرف بالقيلولة السريعة، هي الغفوة القصيرة التي لا تتعدى خمس دقائق، وهي لا تفي عادة بالغرض.

من 10 إلى 20 دقيقة: وتعرف بالقيلولة المعتدلة ويقول الخبراء أن هذه المدة كفيلة بشحن الطاقة والتركيز، كما أنها لا تجعل المقيل يشعر بخمول ما بعد النوم.

30 دقيقة: أثبت الدراسات أن هذه المدة تسبب خمول ما بعد النوم، أو نفس شعور السكر (شرب الخمر)، لكن بعد 30 دقيقة من الإستيقاظ سيشعر بتحسن وراحة.

90 دقيقة: وتعرف بالقيلولة الملكية أو الطويلة، هذه المدة ممتازة في إعادة التركيز وتذكر الأرقام والأشخاص والوجوه، لكن المقيل سيعاني من خمول بسيط سيذهب خلال فترة قصيرة.

الإختلاف بين الكبار والمراهقين:

يوجد إختلاف كبير بين الأشخاص الكبار في السن و المراهقين إلى عمر العشرين، فالكبار لا يأخدون وقتاً طويلاً في القيلولة فتكفيهم نصف ساعة أو ساعة، أما المراهقين فيحتاجون لساعتين أو ثلاثة على أقل تقدير، لذا لا ننصح المراهقين بأخذ قيلولة لأنها ستتحول إلى نوم طويل وعميق يحدث اضطرابات في الجسم.

كما لا ننصح من يعانون من الأرق الشديد وانقطاع التنفس أثناء النوم بالقيلولة، لأنها ببساطة ستزيد الأمر سوءا.

نصيحة لمن يرغب في القيلولة

وقد يبدو الأمر غريبا، ولكن خبراء ينصحون بارتشاف فنجان قهوة قبل أخذ القيلولة، فأثر الكافيين يحتاج من عشرين إلى ثلاثين دقيقة حتى يصبح فعّالا، وهو ما يجعل الشخص أكثر يقظة عند نهوضه.

ختاما، القيلولة سنة نبوية منسية

ومع أهمية ما أوردنا من الأبحاث، فإن القيلولة قبل أن تكون فائدة علمية ، هي معجزة ربانية وسنة نبوية شريفة ، وتأملوا هذه الآية الكريمة التي أخبرتنا عن هذه المعجزة الا وهي النوم بالليل والنهار، قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23[.

وفي السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على نومة القيلولة ، فقد أخرج البخاري عن ‏أم حرام بنت ملحان ‏ ‏أخت ‏ ‏أم سليم ‏، أن رسول الله ‏ صل الله عليه وسلم ‏قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله: ما أضحكك؟ قال ‏: ‏رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة. قالت : قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: فإنك منهم. قالت: ثم نام فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته. قالت : قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين. قال فتزوجها‏ عبادة بن الصامت ‏ ‏فغزا في البحر فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها ‏ ‏فصرعتها، ‏ ‏فاندقت عنقها فماتت.

وقال النبي صل الله عليه وسلم :” قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ” . التخريج : الطبراني في الاوسط وابو نعيم في الطب عن أنس تصحيح السيوطي : حسن كما حسنه الالباني (صحيح الجامع الصغير 4431) . أخرج ابن ماجه بسنده عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “‏ما كنا ‏ ‏نقيل ‏ ‏ولا ‏ ‏نتغدى إلا بعد الجمعة”، وفي صحيح البخار ي ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال: “كنا نبكر بالجمعة ‏ ‏ونقيل ‏ ‏بعد الجمعة”. والحديث أخرجه البخاري ‏عن ‏ ‏سهل بن سعد ‏ ‏قال:‏ جاء رسول الله ‏ صل الله عليه وسلم ‏بيت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏فلم يجد ‏ ‏عليا ‏ ‏في البيت فقال :أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم ‏ ‏يقل (ينام القيلولة) ‏ ‏عندي. فقال رسول الله ‏ صل الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله ‏ صل الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله ‏ صل الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول ‏: “‏قم ‏ ‏أبا تراب، ‏ ‏قم ‏ ‏أبا تراب”

إن كثيرا من السنن النبوية ماتت في حياة الناس عامة، والمسلمين خاصة، ولا يكون لها أهمية إلا إذا ألبست لباس الاكتشافات العلمية الحديثة، فالحجامة -على سبيل المثال- مع كونها سنة نبوية، يجب أن توضع موضعها الصحيح حتى تطبق السنة بشكل إيجابي، ومع كون النبي صل الله عليه وسلم أشار إليها في زمنه، فإنها لم تأخذ حظا من الانتشار في حياة المسلمين، حتى جاءت الدراسات الغربية لتؤكد أهمية الحجامة كنوع من العلاج.

ومن تلك السنن التي أضحت معدومة في حياة المسلمين، سنة القيلولة، وقد بدأ أهل العلم من الباحثين يتحدثون عنها وعن فوائدها، وكتبت فيها أبحاث هامة، تؤكد فوائدها العلمية. فإن لم نقتنع عقليا بفائدتها، فلا أقل من التزامها تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا للأجر باتباع سنته.

هذا والله تعالى أعلم.

د. جلال الدين رويس

facebook

اترك تعليق