الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الوالد الأستاذ الشيخ محمد الطاهر رويس طيب الله ثراه

identite 2001

الذكرى الثالثة عشرة

لوفاة الأستاذ الشيخ محمد الطاهر رويس

طيب الله ثراه

تحل اليوم 21 فيفري 2018 الذكرى الثالثة عشرة لوفاة والدي الأستاذ الشيخ محمد الطاهر رويس الذي ولد في العشرين من جوان 1928 بمدينة مساكن من ولاية سوسة، في عائلة مولعة بالعلم. فوالده المرحوم بلقاسم بن محمد بن خليفة رويس زيتوني التكوين، وعدل إشهاد منذ سنة 1913 ، بمدينة مساكن وضواحيها. وعلى إثر وفاته المفاجئة سنة 1936، وضيق ذات اليد، كفلتهم أرملته السيدة الفاضلة المرحومة لطيفة بنت عمر باشا براهم، التي اختارت وهي ترعى أيتامها الأربعة (محمد الهادي ومحمد الطاهر ومحمد الصادق ومحمد الصالح) أن توجههم لطلب العلم ومواصلة الدراسة سواء بالمدارس العربية-الفرنسية أو بجامع الزيتونة المعمور أو بدور المعلمين العليا. وقد تحصل جميعهم على شهادة ختم الدروس الابتدائية، وتمكن الثلاثة الأخيرون من الاشتغال كمعلمين بالمدارس الابتدائية ثم كأساتذة للتعليم الثانوي حيث كانوا من أهم مدرسي العربية والتربية الإسلامية والمدنية بالمدارس والمعاهد الثانوية بمدينة مساكن، ويمكن الجزم بأن معظم التلاميذ والتلميذات في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات قد تعلموا على يدي واحد منهم أو الاثنين وأحيانا ثلاثتهم.

وقد تم اختيار الوالد سنة 1961 لإمامة الجمعة بالجامع “الوسطاني” بمساكن، فقوي اهتمامه بالشأن الديني وتوسعت فيه معارفه وملكاته، وعرف باليسر والسهولة في تبليغ المعلومة ونشر الوعي وتعريف الناس بالإسلام من خلال تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة النبوية، وتقديم السيرة النبوية العطرة على نبيها أزكى الصلاة والتسليم، والدعوة للخلق القويم، والعمل من أجل نهضة البلاد، والحرص على رضا رب العباد. وقد كان الإقبال على الدروس التي يقدمها كبيرا تعاظم مع الأيام.

وقد انتبه لأهمية نشر القرآن الكريم بين الناس، فأسس في مساكن جمعية المحافظة على القرآن الكريم، وفرّغ لها من المؤدبين ثلاثة أو أربعة، منهم بالخصوص الشيخان أحمد يونس ومحمد الشريّف بوهلال، وعلّم فيها الناس التجويد والقواعد الصحيحة للتلاوة (قام بذلك بكل اقتدار خاصة الشيخان محمد بن صالح ومحمد بن حسين) ، وعلّم فيها أيضا التفسير(ومن المدرسين فيه المشايخ حسن منصور وصالح البهلول وصالح بن عبد الجليل وغيرهم رحمهم الله جميعا) وسائر العلوم الإسلامية من فقه ونحو وسيرة وما إليها…وقد ساهم ذلك في بث الوعي الإسلامي في المدينة، وساهمت المسابقات التي كان يقيمها كل سنة في إحداث حركية حقيقية بمدينة مساكن، وكانت نبراسا اقتدى به الجميع جهويا ووطنيا وحتى عالميا.

وكان للشيخ محمد الطاهر رويس مشاركة في الحياة الاجتماعية حيث ترأس مدة 13 سنة كاملة الفرع المحلي للتضامن الاجتماعي والذي وضع له برنامجا في إسناد المنح والمساعدات الاجتماعية على مقاييس مضبوطة وبكل شفافية ونزاهة مما أكسبه حب هؤلاء المساكين والتفافهم حوله. وقد تبنت الدولة البرنامج نفسه، والذي نجح أيما نجاح بمدينة مساكن، فأصبح برنامجا وطنيا يتواصل تنفيذه إلى اليوم ببلادنا.

وعندما أحيل على التقاعد، عمد إلى المذكرات والقصاصات والكراسات التي كان يعتمدها في التدريس وفي الإجابة على أسئلة المصلين، وبشيء من التوسع من بعض المراجع التي كان يملكها وراثة عن والده أو اقتناء على فترات من توليه الإمامة، عمد إلى كل ذلك فصنف مجموعة من الكتب الجليلة القدر والتي تميزت بيسر العبارة ودقة المعلومة وسهولة التناول (مستفيدا من كفاءته العالية كأستاذ ممتاز). وقد لقيت هذه الكتب قبولا هاما عند الناس في بلادنا وحتى في الخارج، وأصبحت مرجعا معتمدا للأئمة الخطباء والمدرسين في عديد المساجد والجوامع. وقد اهتمت هذه المؤلفات بالفقه في سلسلة “الفقه الواضح” في الصلاة والحج والصيام والزكاة، وكتاب في “الذكر والدعاء”، وكتاب حول إمام دار الهجرة وصاحب المذهب الإمام “مالك بن أنس” رضي الله عنه، وكتاب “ذكريات” عن حياته كطالب بجامع الزيتونة حظي باهتمام كبير من الباحثين والإعلاميين، وكتاب مهم جمعت فيه “خطبه المنبرية” فيها الخير العميم. وقد طبعت أغلب هذه الكتب، بل ونفذت الكثير من العناوين، ونحن نسعى لإعادة طبعها بحول الله تعالى.

ولا يفوتني أن أذكر أن والدي اهتم كثيرا بالشأن العام، حيث شارك ثلاث مرات كمستشار بلدي في مساكن، لمدة تناهز 11 سنة، وكان من مؤسسي الاتحاد الثقافي بمساكن في الأربعينات، وهو الذي أنشأ المكتبة العمومية بمساكن، وكان قد استقدم الفرق المسرحية والموسيقية وكان نشيطا جدا في المجال الثقافي قبيل الاستقلال. وحتى بعد الاستقلال انضم للجنة الثقافية وكان صوت المتدينين المستنيرين فيها. لقد كان الأستاذ الشيخ محمد الطاهر رويس فخر عائلته والعمود الفقري فيها، وكان تأثيره في إخوته ثم في أبنائه كبيرا حين نشؤوا على حب البلاد وهويتها العربية الإسلامية، وحب العلم، والاستقامة والخلق القويم. كما كان ودودا مع والدتي رحيما بها، وقد التحقت به في فيفري من سنة 2017، وكتب الله أن يتم دفنها بجواره كما رغبت في ذلك. رحمها الله وأحسن إليها.

فرحمة الله عليه حيث ملأ حياتنا، وشرّفنا في حياته وبعد مماته، وترك لنا أثرا كبيرا هو صدقة جارية له إن شاء الله تعالى، لا سيما العلم الواسع الذي تركه لينتفع به، وكذلك الذرية الصالحة التي تدعو له. فاللهم ارحمه برحمتك الواسعة ووسّع له في قبره مُدَّ بصره وألحقه بجوار حبيبنا وقرة أعيننا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والصالحين من عباده وحسن أولئك رفيقا. رحمه الله ووسّع عليه. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ابنك  الذي لا ينساك أبدا

 جلال الدين بن محمد الطاهر رويس

facebook

اترك تعليق