الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

رؤوس أقلام لمحاضرة
“الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة”
الجمعة 23 مارس 2022 الموافق لـ 30 ربيع الثاني 1433 بالجامع الأوسط بمساكن
تحت إشراف “الجمعية التونسية للعلوم الشرعية” فرع مساكن

المقدمة:
1. بسملة وحمد وصلاة وسلام على رسول الله
2. شكر للجمعية الشرعية على إتاحة الفرصة
3. تنويه بقرار وزارة الشؤون الدينية لهذا اليوم يوم للقرآن الكريم ردا على من دنس المصحف الشريف وإبراز أن هذه الحاضرة تندرج في إطار التذكير بجانب مهم من عديد الجوانب التي يحتوي عليها القرآن الكريم ألا وهو الجانب العلمي
4. الإشارة إلى أن معاداة القرآن الكريم تنم في أغلب الأحيان عن جهل، وأنّ أحسن خدمة تقدم للقرآن الكريم هو تدبره وتبسيط معانيه للناس. من أجل ذلك يحضنا ربنا –تبارك وتعالى- حضا على تدبر آيات القرآن الكريم فيقول عز من قائل :
* ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ” (النساء:82) .
ويقول –عز وجل- :
* ” كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ” (صّ:29) .
ويقول –تبارك وتعالى- :
* ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” (محمد:24) .
وفى ذلك يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم- : ” أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه “( الحاكم في “المستدرك” (2/349) ، والخطيب في “تاريخ بغداد” (8/77)) .
وإعراب القرآن الكريم يقصد به معرفة معانيه ، وفهم رسالته المتضمنة في آياته ، والتماس غرائبه ؛ أي معرفة ما غمض من معانيه على قارئه

العنصر الأول:
5. هل ما زال العالم اليوم في عصر ازدهار العلم محتاجا للإيمان؟
6. هناك من يرى أن الإنسان لم يعد محتاجا للغيب كي يسير أموره: فهو قد توصل لمعرفة أصله (نظرية داروين)، وتعرف إلى خبايا نفسه (فرويد) وتحكم في مصيرها، وتحكّم في محيطه بعد أن كشف معظم أسراره … بحيث لم يعد للإنسان حاجة للغيب بل هو قد استقل بذاته وأصبح مصيره بيده…
7. رأي الدكتور خالص جلبي في الرد على هذا الأمر: الإنسان والعلم بين “كيف” و”لماذا”(ص 1)
العنصر الثاني:
8. هل نتصور وجود تعارض بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الصحيح والنظريات العلمية الحديثة؟
9. الجواب: مقولة الشيخ الغزالي (“إن التطابق بين حقائق القرآن ومعارف الكون مفروض ابتداء، فإن منزّل الكتاب هو مجري السحاب، ويستحيل أن تختلف حقيقة كونية وحقيقة قرآنية..”). و لكنه يضيف ” ولكن هذا لا يحملنا على الاعتساف وليّ عنق الآيات، فنحمّل الآيات والكلمات ما لا تحتمل في حقيقة وصفها واستعمالاتها الغوية من أجل أن نثبت أسبقية أو إعجازا للقرآن وهو في الحقيقة أغنى الأغنياء عنهما ”
10. وهو نفس هذا المعنى ما أكده الشهيد سيد قطب ( هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع. ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم أو الاستدلال له من العلم. على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه, ونهائي في حقائقه…)
11. في نفس الاتجاه رأي مالك بن نبي، في كتابه الظاهرة القرآنية: ( ولكنه لفت النظر في كتابه دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين إلى أن القرآن ليس كتاب علم بل هو كتاب هداية، وأن هدفه ليس الكشوفات العلمية بقدر توفير المناخ العقلي لإنتاجها )
12. لا يجوز تأويل الثابت بالمتغير : يقول عباس محمود العقاد :”نحن لا نحبّ أن نقحم الكتاب (القرآن الكريم) في تفسير المذاهب العلمية والنظرية الطبيعية، كلما ظهر منها مذهب قابل للمناقشة والتعديل، أو ظهرت منها نظرية يقول بها أناس ويرفضها آخرون، ومهما يكن من ثبوت النظريات المنسوبة إلى العلم فهو ثبوت إلى حين، لا يلبث أن يتطرق إليك الشك، ويتحققه التعديل والتصحيح”.
13. العلوم التجريبية تصاغ في أغلب دول العالم اليوم صياغة تنطلق كلها من منطلقات مادية بحتة، تنكر أو تتجاهل الغيب، ولا تؤمن بالله، وأن للكثيرين من المشتغلين بالعلوم الكونية (البحتة والتطبيقية) مواقف عدائية واضحة من قضية الإيمان…
14. القرآن الكريم في الأصل كتاب هداية ربانية، أي كتاب عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات، بمعنى آخر هو كتاب دين الله الذي أوحى به إلى سائر أنبيائه ورسله وتعهد الله تعالى بحفظه فحفظ، فعلى ذلك لا بد من التأكد على أن القرآن الكريم ليس كتاب علم تجريبي، وأن الإشارات العلمية التي وردت به جاءت في مقام الإرشاد والموعظة لا في مقام البيان العلمي بمفهومه المحدد… من أجل ذلك هناك من رفض هذا المنهج برمته.YouTube Preview Image

العنصر الثالث:
15. هناك من يرى أن لفظ “الإعجاز” ومعناه لا أثر لهما لا في كتاب ولا في سنة. وحجة المعترضين على لفظ “معجزة” ومشتقاته تقوم على أساس من أن اللفظ لم يرد له ذكر فى كتاب الله بالمعنى الشائع اليوم ، ولا في الصحيح من الأحاديث النبوية الشريفة ، وإن وردت مشتقاته للدلالة على عدد من المعاني القريبة أو المغايرة قليلا لذلك في ستة وعشرين موضعا من القرآن الكريم بألفاظ (أعجز)، و(معجزين) ، و(معاجزين) و(عجوز) و(أعجاز) وتصريفاتها ، ودلالات هذه الألفاظ في تلك المواضع قد تبعد قليلا عما أريد التعبير عنه بلفظ (المعجزة) عند علماء اللغة ، خاصة أن القرآن الكريم قد أشار دوما إلى مدلول المعجزة بلفظ آية (بصيغة المفرد والمثنى والجمع) في أكثر من 380 موضع منه…
16. إذا تجاوزنا هذا الاعتراض الشكلي، وتأملنا القرآن الكريم وجدناه معجزا في جميع جوانبه:
1. معجز في حفظه بلفظه ورسمه…
2. معجز في كل ما ورد فيه: فبما أن القرآن الكريم هو بيان من الله تعالى فلابد وأن يكون كل ما فيه حقا مطلقا: حديثه عن العقيدة ؛ وهى غيب مطلق ، وعن العبادة ؛ وهى أوامر إلهية محضة، وعن كل من الأخلاق والمعاملات؛ وهى ضوابط للسلوك. والتاريخ يؤكد لنا أن الإنسان كان عاجزا دوما عن وضع ضوابط في أي من هذه القضايا لنفسه بنفسه .
3. هو أيضا معجز في دستوره التربوي الفريد، وفى خطابه إلى النفس الإنسانية
4. هو أيضا معجز فى إنبائه بعدد من الغيوب التي تحققت من قبل ولا تزال تتحقق، وفى تحديه للإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بسورة من مثله دون أن يتمكن عاقل من التقدم ليقول : نعم لقد استطعت أن أكتب سورة من مثل سور القرآن الكريم .
5. وهو أيضا معجز في تلك الإشارات إلى الكون ومكوناته وبعض أشيائه وظواهره؛ لأنه كلام الخالق، ومن أدرى بالخلق من خالقه ؟!، واستعراضه لسير أعداد من الأنبياء السابقين، والأمم البائدة التي لم يدون لنا التاريخ شيئا عنها ، والاكتشافات الأثرية المتتابعة تثبت صدق القرآن الكريم في جميع ما أورد .
6. وعلى ذلك تتعدد جوانب الإعجاز القرآني – بمعنى عجز البشر عن الإتيان بشيء من مثله- بتعدد الزوايا التي ينظر منها إنسان محايد إلى كتاب الله، ومن هذه الجوانب:
1 – الإعجاز اللغوي ، الأدبي ، البياني ، البلاغي ، النظمي ، اللفظي ، والدلالي.
2 – الإعجاز العقدي (الاعتقادي) .
3 – الإعجاز التعبدي (العبادي) .
4 – الإعجاز الأخلاقي ؛ بمعنى مواءمته للطبيعة البشرية بغير غلو ولا إقلال
5 – الإعجاز التشريعي كما يتضح في فقه المعاملات.
6 – الإعجاز التاريخي الذي تؤكده الاكتشافات الأثرية للأمم البائدة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم .
7 – الإعجاز التربوي.
8 – الإعجاز النفسي.
9 – الإعجاز الاقتصادي.
10 – الإعجاز الإداري.
11 – الإعجاز الإنبائي أو الإعلامي بأمور غيبية غيبة مؤقتة أو مطلقة .
12 – الإعجاز العلمي.
13 – إعجاز التحدي للإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بشيء من مثله في أسلوبه، أو مضمونه أو محتواه، ولم يتمكن أحد من ذلك.
14– وأخيرا إعجاز حفظه بنفس لغة وحيه -اللغة العربية- على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد، وإلى قيام الساعة…
– يمكن التطرق في هذا الصدد لقصة جاري ميلر

العنصر الرابع:
الرد على المعترضين على المنهج المهتم بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
7. اعتبارهم التفسير العلمي للقرآن الكريم نوعا من التفسير بالرأي – وهو مذموم عندهم – ولكن المقصود بالرأي المذموم هو الهوى ، وليس الرأي المؤسس على الحقائق العلمية الثابتة التي يقبلها كل عقل سوي ، وتؤيدها الحجة المنطقية المقبولة والدليل المادي الملموس .
8. القول بعدم جواز تفسير الثابت بالمتغير قول ساذج ؛ لأن معناه الجمود على فهم واحد لكتاب الله ينأى بالناس عن واقعهم في كل عصر حتى لا يستسيغوه فيملوه ويهملوه . وثبات القرآن الكريم .. وهو من السمات البارزة له لا يمنع من فهم الإشارات الكونية الواردة فيه على أساس من معطيات العلوم الكونية ، حتى ولو كان ذلك يتسع من عصر إلى آخر بطريقة مطردة ، فالعلوم المكتسبة كلها لها طبيعة تراكمية ، ولا يتوافر للإنسان منها في عصر من العصور إلا أقدار تتفاوت بتفاوت الأزمنة ، وتباين العصور ، تقدما واضمحلالا ، وهذه الطبيعة التراكمية للمعرفة الإنسانية المكتسبة تجعل الأمم اللاحقة أكثر علما في مجال الكونيات – بصفة عامة – من الأمم السابقة ، إلا إذا تعرضت الحضارة الإنسانية بأكملها للانتكاس والتدهور …
9. مسألة الاسرائيليات:. الحديث المبيح لاعتمادها : “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”(أبو داود 3662). ولكن الكثيرين يغفلون عن الحديث الآخر في هذا الشأن: ” إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه.” .”. وقد اعتمد الكثير من الدارسين المحدثين على هذه التفاسير للحط من “علمية” المفسرين والتحامل عليهم، وذهب آخرون لمنع التفسير العلمي للقرآن بدعوى خشية الوقوع في مستنقع “الإسرائيليات”.
1. عدم احتياجنا لها اليوم مثلما كان الشأن سابقا، بفعل التقدم الكبير في العلوم
2. الجراح الفرنسي موريس بوكاي يوضح في كتبه صدق القرآن الكريم وعدم تعارضه مع العلم، في حين تمتلئ التوراة والإنجيل بالخرافات ( انظر القصة من ص 20 إلى ص 23) وهو ما جعله يعتنق الإسلام.
3. الكابتان كوستو يعتنق الإسلام أيضا :
معظمنا يتذكر المسلسل التلفزيوني (عالم البحر)الذي أعده العالم (الكابتن كوستو) والذي أجرى أبحاثه على متن سفينته (كالبسو).
إن لهذا العالم قصة جميلة ومعروفة مع القرآن الكريم ولابد لنا من الإشارة إليها ولو باختصار لكي يطلع عليها إخوتنا المسلمون فيزداد تمسكهم بدينهم الحنيف وقرآنهم المجيد,لقد توصل العالم كوستو خلال بحوثه التي أجراها في منطقة مضيق جبل طارق إلى أن مياه البحر الأبيض المتوسط عندما تلتقي مياه المحيط الأطلسي لا تمتزج مع بعضها, بل يعود كل منهما إلى مصدره الأصلي وكأن هناك حاجز دون اختلاطهما.
وقد أكّد الكابتن كوستو في وقتها بأن هذا الاكتشاف العلمي الذي توصل إليه هو بمثابة إنجاز علمي كبير جدا, لكن أحد علماء المسلمين الذين التقوا الكابتن أخبره بأن هذا الإنجاز العلمي الذي اكتشفه حديثا قد أخبرنا القرآن الكريم به قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، فقد ورد في سورة الرحمن قوله تعالى(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) والبرزخ هو الحاجز. كما ورد في سورة النحل(وجعلنا بين البحرين حاجزا).
وعندما سمع الكابتن كوستو هذه الآيات, وترجمت إليه بالفرنسية من قبل المترجمين الذين يثق بهم، قال: إذا كان هذا الكلام موجودا بشكل مؤكد في القرآن فإنني سأعتنق الإسلام لأن مثل هذه المعلومات العلمية لم نستطيع التوصل إليها إلاّ في القرن العشرين وبأحدث الأجهزة فكيف تكون موجودة في كتاب أنزل على رجل أمي في الصحراء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا..؟. وبعد التأكد من وجود هذه الآيات وغيرها من المعا جز أيقن وتأكد أن مصدر هذا الكتاب هو سماوي وأن الدين الإسلامي هو الدين الحق واعتنق الإسلام فرحم الله العالم الكابتن كوستو برحمته الواسعة.
العنصر الخامس:
ضوابط التعامل مع قضية الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى وفى سنة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين.
الخاتمة:
أدعو الله أن يوفقنا جميعا لخدمة دينه العظيم وكتابه العزيز ونصرة رسوله الكريم وشريعته الغراء. وأشكركم على حسن الإنصات، وأعتذر على الإطالة الذي فرضه ثراء واتساع الموضوع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. جلال الدين رويس

facebook

اترك تعليق